الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْحَائِضِ الدَّمُ لَمْ يَقْرُبْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَطْهُرَ لِلصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَتْ وَاجِدَةً لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَغْتَسِلَ وَإِنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً غَيْرَ وَاجِدَةٍ لِلْمَاءِ فَحَتَّى تَتَيَمَّمَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَيَرَيْنَ الطُّهْرَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الطَّهَارَةَ الَّتِي تَحِلُّ بِهَا الصَّلاَةُ لَهَا وَلَوْ أَتَى رَجُلٌ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَوْ بَعْدَ تَوْلِيَةِ الدَّمِ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلاَ يَعُدْ حَتَّى تَطْهُرَ وَتَحِلَّ لَهَا الصَّلاَةُ، وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ لَوْ كَانَ ثَابِتًا أَخَذْنَا بِهِ وَلَكِنَّهُ لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا فَاعْتَزِلُوهُنَّ فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ فِي الْجِمَاعِ فَيَكُونُ اعْتِزَالُهُنَّ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْجِمَاعُ أَظْهَرُ مَعَانِيه لِأَمْرِ اللَّهِ بِالِاعْتِزَالِ ثُمَّ قَالَ: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ} فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بَيِّنًا وَبِهَذَا نَقُولُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ وَيَعْنِي أَنَّ اعْتِزَالَهُنَّ الِاعْتِزَالُ فِي الْجِمَاعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمَعْنَى الْجِمَاعِ مَعَ أَنَّهُ ظَهْرَ الآيَةِ بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالسُّنَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا اجْتَنَبَ الرَّجُلُ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ حَلَّ لَهُ مَا سِوَى الْفَرْجِ الَّذِي فِيهِ الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَاسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِاعْتِزَالِ الدَّمِ. قُلْت: فَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ أَنْ يَعْتَزِلْنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ} وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَإِذَا تَطَهَّرْنَ كَانَتْ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً اعْتِزَالَهَا اعْتِزَالاً غَيْرَ اعْتِزَالِ الْجِمَاعِ فَلَمَّا نَهَى أَنْ يَقْرُبْنَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ يُجَامِعْنَ قَالَ إنَّهَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَلَكِنْ كَيْفَ قُلْت يَعْتَزِلُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ دُونَ سَائِرِ بَدَنِهَا؟ قُلْت لَهُ احْتَمَلَ اعْتِزَالُهُنَّ اعْتَزِلُوا جَمِيعَ أَبْدَانِهِنَّ وَاحْتَمَلَ بَعْضَ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ فَاسْتَدْلَلْنَا بِالسُّنَّةِ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ اعْتِزَالِهِنَّ فَقُلْت بِهِ كَمَا بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَك عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَالْبَيِّنُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنْ يَعْتَزِلَ إتْيَانَ الْمَرْأَةِ فِي فَرْجِهَا لِلْأَذَى فِيهِ. وَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} يَعْنِي يَرَيْنَ الطُّهْرَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} إذَا اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ} قَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ يَعْنِي عَادَ الْفَرْجُ إذَا طَهَّرَهُنَّ فَتَطَهَّرْنَ بِحَالِهِ قَبْلَ تَحَيُّضٍ حَلاَلاً قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} يَحْتَمِلُ فَاعْتَزِلُوا فُرُوجَهُنَّ بِمَا وُصِفَتْ مِنْ الْأَذَى، وَيَحْتَمِلُ اعْتِزَالَ فُرُوجِهِنَّ وَجَمِيعِ أَبْدَانِهِنَّ وَفُرُوجِهِنَّ وَبَعْضِ أَبْدَانِهِنَّ دُونَ بَعْضٍ وَأَظْهَرُ مَعَانِيه اعْتِزَالُ أَبْدَانِهِنَّ كُلِّهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذِهِ الْمَعَانِي طَلَبْنَا الدَّلاَلَةَ عَلَى مَعْنَى مَا أَرَادَ جَلَّ وَعَلاَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهَا تَدُلُّ مَعَ نَصِّ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى اعْتِزَالِ الْفَرْجِ؟ وَتَدُلُّ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنْ يَعْتَزِلَ مِنْ الْحَائِضِ فِي الْإِتْيَانِ وَالْمُبَاشَرَةِ مَا حَوْلَ الْإِزَارِ فَأَسْفَلَ وَلاَ يَعْتَزِلُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ إلَى أَعْلاَهَا فَقُلْنَا بِمَا وَصَفْنَا لِتَشْدُدْ الْحَائِضُ إزَارًا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا الرَّجُلُ مِنْ إتْيَانِهَا مِنْ فَوْقَ الْإِزَارِ مَا شَاءَ. فَإِنْ أَتَاهَا حَائِضًا فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلاَ يَعُدْ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها يَسْأَلُهَا هَلْ يُبَاشِرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ لِتَشْدُدْ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا إنْ شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا لَمْ يُبَاشِرْهَا حَتَّى تَشُدَّ إزَارَهَا عَلَى أَسْفَلِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا مِنْ فَوْقِ الْإِزَارِ مِنْهَا مُفْضِيًا إلَيْهِ وَيَتَلَذَّذُ بِهِ كَيْفَ شَاءَ مِنْهَا وَلاَ يَتَلَذَّذُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا وَلاَ يُبَاشِرُهَا مُفْضِيًا إلَيْهَا وَالسُّرَّةُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَإِتْيَانِهِ إيَّاهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ وَلِمَ؟ قُلْت لاَ يَنَالُ مِنْهَا بِفَرْجِهِ وَلاَ يُبَاشِرُهَا فِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَيَنَالُ فِيمَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَقُلْت لَهُ بِاَلَّذِي لَيْسَ لِي وَلاَ لَك وَلاَ لِمُسْلِمٍ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ وَذَكَرَتْ فِيهِ السُّنَّةُ فَقَالَ قَدْ رَوَيْنَا خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ فَرَوَيْنَا أَنْ يَخْلُفَ مَوْضِعَ الدَّمِ ثُمَّ يَنَالُ مَا شَاءَ فَذَكَرَ حَدِيثًا لاَ يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ لِمَا بَيْنَ تَحْتِ الْإِزَارِ وَمَا فَوْقَهُ فَرْقًا مَعَ الْحَدِيثِ؟ فَقُلْت لَهُ: نَعَمْ وَمَا فَرْقٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ أَحَدُ الَّذِي يَتَلَذَّذُ بِهِ مِنْهَا سِوَى الْفَرْجِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ الْأَلْيَتَانِ وَالْفَخْذَانِ فَأَجِدُهُمَا يُفَارِقَانِ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا الدَّمُ إذَا سَالَ مِنْ الْفَرْجِ جَرَى فِيهِمَا وَعَلَيْهِمَا، وَالثَّانِي أَنَّ الْفَرْجَ عَوْرَةٌ وَالْأَلْيَتَيْنِ عَوْرَةٌ فَهُمَا فَرْجٌ وَاحِدٌ مِنْ بَطْنِ الْفَخْذَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالْفَرْجِ نَفْسِهِ وَإِذَا كَشَفَ عَنْهُمَا الْإِزَارَ كَادَ أَنْ يَنْكَشِفَ عَنْهُ وَالْإِزَارُ يُكْشَفُ عَنْ الْفَرْجِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَى مَا فَوْقَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: احْتَمَلَتْ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا لِأَنَّ {أَنَّى شِئْتُمْ} يُبَيِّنُ أَيْنَ شِئْتُمْ لاَ مَحْظُورَ مِنْهَا كَمَا لاَ مَحْظُورَ مِنْ الْحَرْثِ، وَاحْتَمَلَتْ أَنَّ الْحَرْثَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّبَاتُ وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ الْوَلَدُ الْفَرْجُ دُونَ مَا سِوَاهُ لاَ سَبِيلَ لِطَلَبِ الْوَلَدِ غَيْرَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ فَذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْهُمْ إلَى إحْلاَلِهِ وَآخَرُونَ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَأَحْسِبُ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلُوا مَا وَصَفْت مِنْ احْتِمَالِ الآيَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَطَلَبْنَا الدَّلاَلَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أحيحة بْنِ الْجُلاَحِ أَوْ عَمْرِو بْنِ فُلاَنِ بْنِ أحيحة بْنِ الْجُلاَحِ أَنَا شَكَكْت يَعْنِي الشَّافِعِيُّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ أَوْ إتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ حَلاَلٌ فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَقَالَ كَيْفَ؟ قُلْت فِي أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلاَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ لاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» قَالَ فَمَا تَقُول؟ قُلْت عَمِّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ثِقَةٌ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ الْأَنْصَارِيِّ الْمُحَدِّثُ بِهَا أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا وَخُزَيْمَةَ مِمَّنْ لاَ يَشُكُّ عَالِمٌ فِي ثِقَتِهِ فَلَسْت أُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ أُنْهَى عَنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} الآيَةَ. فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ لَهُ إمَاءٌ يُكْرِهُهُنَّ عَلَى الزِّنَا لِيَأْتِينَهُ بِالْأَوْلاَدِ فَيَتَخَوَّلَهُنَّ وَقَدْ قِيلَ نَزَلَتْ قَبْلَ حَدِّ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ قَبْلَ حَدِّ الزِّنَا ثُمَّ جَاءَ حَدُّ الزِّنَا فَمَا قَبْلَ الْحُدُودِ مَنْسُوخٌ بِالْحُدُودِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بَعْدَ حَدِّ الزِّنَا فَقَدْ قِيلَ إنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ الْمُكْرَهَاتِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ غَفُورٌ أَيْ هُوَ أَغْفَرُ وَأَرْحَمُ مِنْ أَنْ يُؤَاخِذَهُنَّ بِمَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا كَالدَّلاَلَةِ عَلَى إبْطَالِ الْحَدِّ عَنْهُنَّ إذَا أُكْرِهْنَ عَلَى الزِّنَا وَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا وَضَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِهِ: {وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ}.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ»، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الرَّجُلُ الْآخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ شِغَارَ فِي الْإِسْلاَمِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا نَقُولُ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ صَدَاقُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِضْعُ الْأُخْرَى فَإِذَا وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْوَطْءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُتْعَةُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِذَا وَقَعَ النِّكَاحُ عَلَى هَذَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِالْمَسِيسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ أَمَّا الشِّغَارُ فَالنِّكَاحُ فِيهِ ثَابِتٌ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَنْكُوحَتَيْنِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَمَّا الْمُتْعَةُ فَإِنْ قُلْت فَهُوَ فَاسِدٌ فَمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ؟ قُلْت مَا لاَ يُشْتَبَهُ فِيهِ خَطَؤُك قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشِّغَارِ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَزْت الشِّغَارَ الَّذِي لاَ مُخَالِفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ وَرَدَدْت نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَالَ فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلاَ الشَّرْطَ فِي الْمُتْعَةِ جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يُبْطِلاَهُ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ قُلْت لَهُ إذًا تُخْطِئُ خَطَأً بَيِّنًا قَالَ فَكَيْفَ؟ قُلْت رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْهَا وَمَا نَهَى عَنْهُ حَرَامٌ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رُخْصَةٌ بِحَلاَلٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَحَلَّهُ فَلَمْ تُحْلِلْهُ وَأَحْدَثْت بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ شَيْئًا خَارِجًا مِنْهُمَا خَارِجًا مِنْ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ مُتَنَاقِضًا قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلاً لِأَنَّ الْخِيَارَ لاَ يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ مَا شُرِطَ فِي عَقْدِهِ الْخِيَارُ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِيهِ تَامًّا وَهَذَا وَإِنْ جَازَ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك، فَإِنْ قُلْت فَإِنْ أَبْطَلَ الْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ الشَّرْطَ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ وَقَعَ وَالْجِمَاعُ لاَ يَحِلُّ فِيهِ وَلاَ الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ إبْطَالِ الشَّرْطِ لَمْ تُجِزْهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ غَيْرَ جَائِزٍ فَقَدْ أَجَزْت فِيهِ الْخِيَارَ لِلزَّوْجَيْنِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا يُفْسِدُ الْعُقْدَةَ. ثُمَّ أَحْلَلْته بِشَيْءٍ آخَرَ عُقْدَةٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا خِيَارٌ ثُمَّ أَحْدَثْت لَهُمَا شَيْئًا مِنْ قِبَلِك أَنْ جَعَلْت لَهُمَا خِيَارًا وَلَوْ قِسْتَهُ بِالْبُيُوعِ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت فِيهِ الْقِيَاسَ قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: الْخِيَارُ فِي الْبُيُوعِ لاَ يَكُونُ عِنْدَك إلَّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَمْ يَرَ عَيْنَهُ فَيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ أَوْ يَشْتَرِيَ فَيَجِدَ عَيْبًا فَيَكُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ، وَالنِّكَاحُ بَرِيءٌ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَك؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَالْوَجْهُ الثَّانِي الَّذِي تُجِيزُ فِيهِ الْخِيَارَ فِي الْبُيُوعِ أَنْ يَتَشَارَطَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ وَإِنْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا الْبَيْعَ عَلَى غَيْرِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلاَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُشْتَرِي رَأَى مَا اشْتَرَاهُ أَوْ دَلَّسَ لَهُ بِعَيْبٍ، قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَالْمُتَنَاكِحَانِ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ إنَّمَا نَكَحَا نِكَاحًا يَعْرِفَانِهِ إلَى مُدَّةٍ لَمْ يَشْتَرِطَا خِيَارًا فَكَيْفَ يَكُونُ زَوْجَهَا الْيَوْمَ وَغَدًا غَيْرَ زَوْجِهَا بِغَيْرِ طَلاَقٍ يُحْدِثُهُ وَالْعَقْدُ إذَا عُقِدَ ثَبَتَ إلَّا أَنْ يُحْدِثَ فُرْقَةً عِنْدَك؟ أَوْ كَيْفَ تَكُونُ زَوْجَةً وَلاَ يَتَوَارَثَانِ؟ أَمْ كَيْفَ يَتَوَارَثَانِ يَوْمًا وَلاَ يَتَوَارَثَانِ فِي غَدِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ فِي الْمُدَّةِ فِي النِّكَاحِ بَاطِلٌ قُلْت فَأَنْتَ تُحْدِثُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ نِكَاحًا بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَلَمْ يَعْقِدَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَإِنَّمَا قِسْتُهُ بِالْبَيْعِ وَالْبَيْعُ لَوْ عُقِدَ فَقَالَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَشْتَرِي مِنْك هَذَا عَشْرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ أَمْلِكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا دُونَ الْأَبَدِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ أُمَلِّكَهُ إيَّاهُ عَشْرًا وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لاَ يَمْلِكَهَا إلَّا عَشْرًا فَكَانَ يَلْزَمُك أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ خَبَرٌ يُحَرِّمُهُ أَنْ تُفْسِدَهُ إذَا جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فَأَفْسَدْت الْبَيْعَ قَالَ فَقَالَ فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لِلْمَرْأَةِ دَارَهَا أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالشَّرْطُ بَاطِلاً؟ قُلْت لَهُ: فَإِنْ جَعَلْته قِيَاسًا عَلَى هَذَا أَخْطَأْت مِنْ وُجُوهٍ قَالَ وَمَا هِيَ؟ قُلْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ لَهَا شَرْطُهَا مَا كَانَ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ قِسْته عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ فِي الْمُتَنَاكِحَيْنِ نِكَاحَ مُتْعَةٍ. قَالَ: لاَ أَقِيسُهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ بَيْنَهُمَا مَا يُثْبِتُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ زَوْجَةٌ فِي أَيَّامٍ غَيْرُ زَوْجَةٍ بَعْدَهُ؟ فَقُلْت: فَإِنْ قِسْته عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ وَشَرْطُهَا دَارَهَا بَاطِلٌ فَقَدْ أَحْدَثْت لَهُمَا تَزْوِيجًا بِغَيْرِ شَرْطِهِمَا أَنْ لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ مَا لَمْ يَرْضَهُ أَحَدٌ مِنْهُمَا فَكُنْت رَجُلاً زَوَّجَ اثْنَيْنِ بِلاَ رِضَاهُمَا وَلَزِمَك إنْ أَخْطَأْت الْقِيَاسَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت: النَّاكِحَةُ الْمُشْتَرِطَةُ دَارَهَا نُكِحَتْ عَلَى الْأَبَدِ فَلَيْسَ فِي عَقْدِهَا النِّكَاحَ عَلَى الْأَبَدِ شَيْءٌ يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَشَرَطَتْ أَنْ لاَ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ دَارِهَا نُكِحَتْ عَلَى الْأَبَدِ وَالشَّرْطِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَهَا شَرْطُهَا أَوْ أُبْطِلَ عَنْهَا فَهِيَ حَلاَلُ الْفَرْجِ فِي دَارِهَا وَغَيْرِ دَارِهَا وَالشَّرْطُ زِيَادَةٌ فِي مَهْرِهَا وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك كَانَتْ جَائِزَةً أَوْ فَاسِدَةً لاَ تُفْسِدُ الْعُقْدَةَ وَالنَّاكِحَةُ مُتْعَةً لَمْ يَنْكِحْهَا عَلَى الْأَبَدِ إنَّمَا نَكَحَتْهُ يَوْمًا أَوْ عَشْرًا فَنَكَحَتْهُ عَلَى أَنَّ زَوْجَهَا حَلاَلٌ فِي الْيَوْمِ أَوْ الْعَشْرِ مُحَرَّمٌ بَعْدَهُ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَرْجٌ يُوطَأُ بِنِكَاحٍ يَحِلُّ فِي هَذِهِ وَيُحَرَّمُ فِي أُخْرَى قَالَ مَا هِيَ بِقِيَاسٍ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ زَوْجَتَهُ الْيَوْمَ وَغَيْرَ زَوْجَتِهِ الْغَدَ بِلاَ إحْدَاثِ فُرْقَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ اسْتَقَامَتْ قِيَاسًا عَلَى وَاحِدٍ مِمَّا أَرَدْت أَنْ تَقِيسَهَا عَلَيْهِ أَيَجُوزُ فِي الْعِلْمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَك أَنْ يَعْمِدَ إلَى الْمُتْعَةِ وَقَدْ جَاءَ فِيهَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْرِيمٍ وَخَبَرٌ بِتَحْلِيلٍ؟ فَزَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّ التَّحْلِيلَ مَنْسُوخٌ فَتَجْعَلُهُ قِيَاسًا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ؟ فَإِنْ جَازَ هَذَا لَك جَازَ عَلَيْك أَنْ يَقُولَ لَك قَائِلٌ حُرِّمَ الطَّعَامُ وَالْجِمَاعُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ وَحُرِّمَ الْجِمَاعُ فِي الْإِحْرَامِ فَأُحَرِّمُ الطَّعَامَ فِيهِ أَوْ أُحَرِّمُ الْكَلاَمَ فِي الصَّوْمِ كَمَا حُرِّمَ فِي الصَّلاَةِ قَالَ لاَ يَجُوزُ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْعِلْمِ تَمْضِي كُلُّ شَرِيعَةٍ عَلَى مَا شُرِعَتْ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهِ خَبَرٌ عَلَى مَا جَاءَ، قُلْت: فَقَدْ عَمَدْت فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَفِيهِ خَبَرٌ فَجَعَلْته قِيَاسًا فِي النِّكَاحِ عَلَى مَا لاَ خَبَرَ فِيهِ فَجَعَلْته قِيَاسًا عَلَى الْبُيُوعِ وَهُوَ شَرِيعَةٌ غَيْرُهُ ثُمَّ تَرَكْت جَمِيعَ مَا قِسْت عَلَيْهِ وَتُنَاقِضُ قَوْلَك فَقَالَ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا إفْسَادُهُ فَقُلْت فَلِمَ لَمْ تُفْسِدْهُ كَمَا أَفْسَدَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُقْدَةَ فِيهِ فَاسِدَةٌ وَلَمْ تُجِزْهُ كَمَا أَجَازَهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ حَلاَلٌ عَلَى مَا تَشَارَطَا وَلَمْ يَقُمْ لَك فِيهِ قَوْلٌ عَلَى خَبَرٍ وَلاَ قِيَاسٍ وَلاَ مَعْقُولٍ؟ قَالَ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أَفْسَدْت أَنْتَ الشِّغَارَ وَالْمُتْعَةَ؟ قُلْت: بِاَلَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ مِنْ طَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَقَالَ: {فَلاَ وَرَبِّك لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت} قَالَ فَكَيْفَ يَخْرُجُ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَك؟ قُلْت مَا نَهَى عَنْهُ مِمَّا كَانَ مُحَرَّمًا حَتَّى أُحِلَّ بِنَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ فَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا نُهِيَ عَنْهُ لاَ يَحِلُّ قَالَ وَمِثْلُ مَاذَا؟ قُلْت مِثْلُ النِّكَاحِ كُلُّ النِّسَاءِ مُحَرَّمَاتُ الْجِمَاعِ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَوْ الْمِلْكُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ مِلْكِ الْيَمِينِ فَمَتَى انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَوْ الْمِلْكُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَلَّلْ مَا كَانَ مِنْهُ مُحَرَّمًا وَكَذَلِكَ الْبُيُوعُ ثُمَّ أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ إلَّا بِمَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ انْعَقَدَ الْبَيْعُ بِمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحِلَّ بِعُقْدَةِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ فَلَمَّا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قُلْت: الْمَنْكُوحَاتُ بِالْوَجْهَيْنِ كَانَتَا غَيْرَ مُبَاحَتَيْنِ إلَّا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلاَ يَكُونُ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النِّكَاحِ وَلاَ الْبَيْعِ صَحِيحًا. قَالَ هَذَا عِنْدِي كَمَا زَعَمْت وَلَكِنْ قَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي النَّهْيِ مَا قُلْت وَيَأْتِي نَهْيٌ آخَرُ فَيَقُولُونَ فِيهِ خِلاَفَهُ وَيُوَجِّهُونَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَرَامَ. فَقُلْت لَهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِدَلاَلَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالنَّهْيِ الْحَرَامَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَلَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّ النَّهْيَ مَرَّةً مُحَرَّمٌ وَأُخْرَى غَيْرُ مُحَرَّمٍ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَدُلَّنِي فِي غَيْرِ هَذَا عَلَى مِثْلِهِ؟ فَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فَعَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ ابْنَتَيْ الْعَمِّ وَلَهُمَا قَرَابَةٌ وَلاَ بَيْنَ الْقَرَابَاتِ غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَابْنَةُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ حَلاَلاً أَنْ يُبْتَدَأَ بِنِكَاحِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَنَّهُنَّ أُحْلِلْنَ وَخَرَجْنَ عَنْ مَعْنَى الْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَمَا حُرِّمَ عَلَى الْأَبَدِ بِحُرْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ بِحُرْمَةِ غَيْرِهِ فَاسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ كَرَاهِيَةُ أَنْ يُفْسِدَ مَا بَيْنَهُمَا وَالْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ وَالِدَتَانِ لَيْسَتَا كَابْنَتَيْ الْعَمِّ اللَّتَيْنِ لاَ شَيْءَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا لِلْأُخْرَى مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَتَا رَاضِيَتَيْنِ بِذَلِكَ مَأْمُونَتَيْنِ بِإِذْنِهِمَا وَأَخْلاَقِهِمَا عَلَى أَنْ لاَ يَتَفَاسَدَا بِالْجَمْعِ حَلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ قُلْت: وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ قَالَ: نَعَمْ قُلْت فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا فَلَمَّا انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ قِيلَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَاتَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ وَبَقِيَتْ الَّتِي نَكَحَ قَالَ فَعُقْدَةُ الْآخِرَةِ فَاسِدَةٌ قُلْت فَإِنْ قَالَ قَدْ ذَهَبَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ الَّتِي نُهِيَ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فَقَالَ لَك أَنَا لَوْ ابْتَدَأْت نِكَاحَهَا الْآنَ جَازَ فَأُقَرِّرُ نِكَاحَهَا الْأَوَّلَ؟ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إنْ انْعَقَدَتْ الْعُقْدَةُ بِأَمْرٍ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَصِحَّ بِحَالٍ يَحْدُثُ بَعْدَهَا فَقُلْت لَهُ فَهَكَذَا قُلْت فِي الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ قَدْ انْعَقَدَ بِأَمْرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ لاَ نَعْلَمُهُ فِي غَيْرِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَصِحَّ مِمَّا نَهَى عَنْهُ بِغَيْرِهِ فَإِنْ افْتَرَقَ الْقَوْلُ فِي النَّهْيِ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَنِكَاحِ الْأُخْتِ عَلَى أُخْتِهَا إذَا مَاتَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ تَجْتَمِعَ هِيَ وَالْآخِرَةُ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِعِلَّةِ الْجَمْعِ وَقَدْ زَالَ الْجَمْعُ قَالَ فَإِنْ زَالَ الْجَمْعُ فَإِنَّ الْعَقْدَ كَانَ وَهُوَ ثَابِتٌ عَلَى الْأُولَى فَلاَ يَثْبُتُ عَلَى الْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قُلْت لَهُ: فَاَلَّذِي أَجَزْته فِي الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ هَكَذَا أَوْ أَوْلَى أَنْ لاَ يَجُوزَ مِنْ هَذَا؟ فَقُلْت لَهُ: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ أَمَرَ بِالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ أَنْ لاَ يتجاحد الزَّوْجَانِ فَيَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى غَيْرِ الشُّهُودِ مَا تَصَادَقَا؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ شُهُودٍ. قُلْت: وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ كَانَ جَائِزًا أَوْ أَشْهَدَا عَلَى إقْرَارِهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ. قُلْت وَلِمَ؟ أَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ غَيْرَ حَلاَلٍ إلَّا بِمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَلَمَّا انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ الْمُحَرَّمُ إلَّا مِنْ حَيْثُ أُحِلَّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَالْأَمْرُ بِالشُّهُودِ لاَ يُثْبِتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا بِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ الشِّغَارِ وَالْمُتْعَةِ وَلَوْ ثَبَتَ كُنْت بِهِ مَحْجُوجًا لِأَنَّك إذَا قُلْت فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لاَ يَجُوزُ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ كَانَ بِغَيْرِ كَمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ وَإِنْ انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ كَمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ قُلْنَا لَك فَأَيُّهُمَا أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْعُقْدَةَ الَّتِي انْعَقَدَتْ بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ أَوْ الْعُقْدَةُ الَّتِي انْعَقَدَتْ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ وَالْعُقْدَةُ الَّتِي تُعْقَدُ بِمَا نُهِيَ عَنْهُ تَجْمَعُ النَّهْيَ وَخِلاَفَ الْأَمْرِ؟ قَالَ كُلٌّ سَوَاءٌ قُلْت وَإِنْ كَانَا سَوَاءً لَمْ يَكُنْ لَك أَنْ تُجِيزَ وَاحِدَةً وَتَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ أَوْكَدَ وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ لَمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَالْبُيُوعِ وَمَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ إلَّا يَكْرَهُ الشِّغَارَ وَيُنْهِي عَنْهُ وَأَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُ الْمُتْعَةَ وَيُنْهِي عَنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يُرْجَمُ فِيهَا مَنْ يَنْكِحُهَا وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ» أَفَرَأَيْت لَوْ تَبَايَعَ رَجُلاَنِ بِطَعَامٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِض ثُمَّ تَقَابَضَا فَذَهَبَ الْغَرَرُ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: لاَ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا قُلْت وَكَذَلِكَ إذَا نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَتَبَايَعَا أَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ السَّلَفُ لَوْ رُفِعَا إلَيْك؟ قَالَ لاَ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ فَاسِدَةً. قِيلَ: وَمَا فَسَادُهَا وَقَدْ ذَهَبَ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا؟ قَالَ انْعَقَدَتْ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ. قُلْنَا: وَهَكَذَا أَفْعَلُ فِي كُلِّ أَمْرٍ يُنْهَى عَنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إفْسَادِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إلَّا الْقِيَاسُ انْبَغَى أَنْ يَفْسُدَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا يَوْمَيْنِ كُنْت قَدْ زَوَّجْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يُزَوِّجْ نَفْسَهُ وَأَبَحْت لَهُ مَا لَمْ يُبِحْ لِنَفْسِهِ قَالَ فَكَيْفَ تُفْسِدُهُ؟ قُلْت لَمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ لاَ يُجِيزُونَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ إلَّا عَلَى الْأَبَدِ حَتَّى يَحْدُثَ فُرْقَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ يَوْمَيْنِ وَيَحْرُمَ أَكْثَرَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحِلَّ فِي أَيَّامٍ لَمْ يَنْكِحْهَا فَكَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إنِّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَظُنُّهُ عَنْ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلاَلٌ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلاَهُ وَرَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ «مَا نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ إلَّا وَهُوَ حَلاَلٌ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ طَرِيفًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ شَوْذَبٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَدَّ نِكَاحَ مُحْرِمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَإِذَا نَكَحَ الْمُحْرِمُ أَوْ أَنْكَحَ غَيْرَهُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ ثَبَتَتْ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ بِالنِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ لَهُ فِي نِكَاحٍ كَانَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْأَمَةَ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَبِهَذَا نَقُولُ فَإِنْ نَكَحَ الْمُحْرِمُ فَنِكَاحُهُ مَفْسُوخٌ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْرِمُ مَا لَمْ يُصِبْ وَقَالَ رَوَيْنَا خِلاَفَ مَا رَوَيْتُمْ فَذَهَبْنَا إلَى مَا رَوَيْنَا وَذَهَبْتُمْ إلَى مَا رَوَيْتُمْ رَوَيْنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيِّهَا تَأْخُذُ؟ قَالَ بِالثَّابِتِ عَنْهُ قُلْت أَفَتَرَى حَدِيثَ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتًا؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَعُثْمَانُ غَيْرُ غَائِبٍ عَنْ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ لِأَنَّهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي سَفَرِهِ الَّذِي بَنَى بِمَيْمُونَةَ فِيهِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي زَعَمْت أَنْتَ بِأَنَّهُ نَكَحَهَا فِيهِ وَإِنَّمَا نَكَحَهَا قَبْلَهُ وَبَنَى بِهَا فِيهِ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنَّ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ نَكَحَهَا بَالِغًا وَلاَ لَهُ يَوْمئِذٍ صُحْبَةٌ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ خَفِيَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ مَعَ قَرَابَتِهِ بِهَا وَلاَ يَقْبَلُهُ هُوَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَقُلْت لَهُ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ ابْنُ أُخْتِهَا يَقُولُ نَكَحَهَا حَلاَلاً وَمَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَتِيقُهَا أَوْ ابْنُ عَتِيقِهَا فَقَالَ نَكَحَهَا حَلاَلاً فَيُمْكِنُ عَلَيْك مَا أَمْكَنَك فَقَالَ هَذَانِ ثِقَةٌ وَمَكَانَهُمَا مِنْهَا الْمَكَانَ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِمَا الْوَقْتُ الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ لِحَطِّهَا وَحَطِّ مَنْ هُوَ مِنْهَا نِكَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلاَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَاهُ إلَّا بِخَبَرِ ثِقَةٍ فِيهِ فَتَكَافَأَ خَبَرُ هَذَيْنِ وَخَبَرُ مَنْ رَوَيْت عَنْهُ فِي الْمَكَانِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمَا فَهُمَا ثِقَةٌ أَوْ يَكُونُ خَبَرُ اثْنَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ خَبَرِ وَاحِدٍ وَيَزِيدُونَك مَعَهُمَا ثَالِثًا ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَتَنْفَرِدُ عَلَيْك رِوَايَةُ عُثْمَانَ الَّتِي هِيَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَقُلْت لَهُ: أَوْ مَا أَعْطَيْتنَا أَنَّ الْخَبَرَيْنِ لَوْ تَكَافَآ نَظَرْنَا فِيمَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ فَنَتَّبِعُ أَيَّهمَا كَانَ فِعْلُهُمَا أَشْبَهَ، وَأَوْلَى الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَنَقْبَلَهُ وَنَتْرُكَ الَّذِي خَالَفَهُ؟ قَالَ: بَلَى قُلْت فَعُمَرُ وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرُدَّانِ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ وَيَقُولُ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَنْكِحُ وَلاَ يُنْكَحُ وَلاَ أَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا مُخَالِفًا قَالَ فَإِنَّ الْمَكِّيِّينَ يَقُولُونَ يَنْكِحُ. فَقُلْت مِثْلَ مَا ذَهَبْت إلَيْهِ وَالْحُجَّةُ تَلْزَمُهُمْ مِثْلَ مَا لَزِمَتْك وَلَعَلَّهُمْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَا خَالَفَ مَا رَوَوْا مِنْ نِكَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا قَالَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِك مَنْ قَالَ إنَّمَا قُلْنَا لاَ يَنْكِحُ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تُحِلُّ الْجِمَاعَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ قُلْت لَهُ الْحُجَّةُ فِيمَا حَكَيْنَا لَك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لاَ فِيمَا وَصَفْت أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ هَذَا وَإِنْ كُنْت أَنْتَ قَدْ تَذْهَبُ أَحْيَانًا إلَى أَضْعَفَ مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا مَذْهَبَ الْمَذَاهِبِ فِي الْخَبَرِ أَوْ عِلَّةً بَيِّنَةً فِيهِ قَالَ فَأَنْتُمْ قُلْتُمْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَأَنْ يَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ لِلْإِصَابَةِ قُلْت إنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ إنَّمَا هِيَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُطَلِّقِ فِي عُقْدَةِ النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ وَعُقْدَةُ النِّكَاحِ كَانَ وَهُوَ حَلاَلٌ فَلاَ يُبْطِلُ الْعُقْدَةَ حَقُّ الْإِحْرَامِ وَلاَ يُقَالُ لِلْمُرَاجِعِ نَاكِحٌ بِحَالِ فَأَمَّا الْجَارِيَةُ تُشْتَرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ مُخَالِفٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَك لِلنِّكَاحِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي الْمَرْأَةَ قَدْ أَرْضَعَتْهُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إصَابَتُهَا وَيَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَأُمَّهَا وَوَلَدَهَا لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَؤُلاَءِ فَأُجِيزَ الْمِلْكُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَأَكْثَرُ مَا فِي مِلْكِ النِّكَاحِ الْجِمَاعُ وَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يَنْكِحَ امْرَأَةً لاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا وَقَدْ يَصْلُحُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ لاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَإِذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا نَقُولُ وَهَذَا فِي الْمَرْأَةِ تُوَكِّلُ رَجُلَيْنِ فَيُزَوِّجَانِهَا فَيُزَوِّجُهَا أَحَدُهُمَا وَلاَ يَعْلَمُ الْآخَرُ حِينَ زَوَّجَهَا فَنِكَاحُ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ وَلِيٌّ مُوَكَّلٌ وَمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ نِكَاحُهُ وَهَذَا قَوْلُ عَوَامِّ الْفُقَهَاءِ لاَ أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلاَفًا وَلاَ أَدْرِي أَسَمِعَ الْحَسَنُ مِنْهُ أَمْ لاَ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْوَاحِدَةِ وَالِاثْنَتَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ إمَاءٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْتِيَهُنَّ مَعًا قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَوْ أَحْدَثَ وُضُوءًا كُلَّمَا أَرَادَ إتْيَانَ وَاحِدَةٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَالْآخَرِ أَنَّهُ أَنْظَفُ وَلَيْسَ عِنْدِي بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَ فَرْجَهُ قَبْلَ إتْيَانِ الَّتِي يُرِيدُ ابْتِدَاءَ إتْيَانِهَا وَإِتْيَانُهُنَّ مَعًا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ كَإِتْيَانِ الْوَاحِدَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَإِنْ كُنَّ حَرَائِرَ فَحَلَلْنَهُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْلِلْنَهُ لَمْ أَرَ أَنْ يَأْتِيَ وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْأُخْرَى الَّتِي يَقْسِمُ لَهَا فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ فِي هَذَا حَدِيثٌ؟ قِيلَ إنَّهُ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا قَدْ يَعْرِفُ النَّاسُ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ شَيْءٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ أَصَابَ امْرَأَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلاَ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ بِالسُّنَّةِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} الآيَةَ. وَقَالَ: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ: {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآيَةَ. وَقَالَ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} وَقَالَ: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} مَعَ مَا ذَكَرْته مِنْ الطَّلاَقِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرْت وَدَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إبَاحَةِ الطَّلاَقِ فَالطَّلاَقُ مُبَاحٌ لِكُلِّ زَوْجٍ لَزِمَهُ الْفَرْضُ وَمَنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ لاَ تُحَرَّمُ مِنْ مُحْسِنَةٍ وَلاَ مُسِيئَةٍ فِي حَالٍ إلَّا أَنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ لِغَيْرِ الْعِدَّةِ وَإِمْسَاكُ كُلِّ زَوْجٍ مُحْسِنَةٍ أَوْ مُسِيئَةٍ بِكُلِّ حَالٍ مُبَاحٌ إذَا أَمْسَكَهَا بِمَعْرُوفٍ وَجِمَاعُ الْمَعْرُوفِ أَعْفَاهَا بِتَأْدِيَةِ الْحَقِّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْتَارُ لِلزَّوْجِ أَنْ لاَ يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً لِيَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَكُونَ خَاطِبًا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَمَتَى نَكَحَهَا بَقِيَتْ لَهُ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ مِنْ الطَّلاَقِ وَلاَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ اثْنَتَيْنِ وَلاَ ثَلاَثًا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ الطَّلاَقَ وَمَا أَبَاحَ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ عَلَى أَهْلِهِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلاَقِ وَلَوْ كَانَ فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ مُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ عَلَّمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ لِأَنَّ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا كَانَ مَا يُكْرَهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلاَقِ وَيُحَبُّ لَوْ كَانَ فِيهِ مَكْرُوهٌ أَشْبَهَ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ «وَطَلَّقَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلاَنِيُّ امْرَأَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِاللِّعَانِ» وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا مَحْظُورًا عَلَيْهِ نَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُعَلِّمَهُ وَجَمَاعَةَ مَنْ حَضَرَهُ وَحَكَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثَلاَثًا فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَطَلَّقَ رُكَانَةُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهِيَ تَحْتَمِلُ وَاحِدَةً وَتَحْتَمِلُ ثَلاَثًا فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِيَّتِهِ وَأَحْلَفَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ نَعْلَمْهُ نَهَى أَنْ يُطَلِّقَ أَلْبَتَّةَ يُرِيدُ بِهَا ثَلاَثًا وَطَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقُرِئَتْ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عُمَرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النِّسَاءُ». أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عَزَّةَ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ فَقَالَ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أَيْ فِي قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ شَكَّ الشَّافِعِيُّ. أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِدَلاَلَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ فِي الْمَرْأَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ دُونَ مَنْ سِوَاهَا مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ أَنْ تَطْلُقَ لِقِبَلِ عِدَّتِهَا وَذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا يَأْمُرُ بِطَلاَقٍ طَاهِرٍ مِنْ حَيْضِهَا الَّتِي يَكُونُ لَهَا طُهْرٌ وَحَيْضٌ، وَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلاَقُ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ فَهُوَ بِحَالِهِ قَبْلَ الطَّلاَقِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ وَنَهَى عَنْ الضَّرَرِ وَطَلاَقُ الْحَائِضِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لاَ زَوْجَةَ وَلاَ فِي أَيَّامٍ تَعْتَدُّ فِيهَا مِنْ زَوْجٍ مَا كَانَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَهِيَ إذَا طَلُقَتْ وَهِيَ تَحِيضُ بَعْدَ جِمَاعٍ لَمْ تَدْرِ وَلاَ زَوْجُهَا عِدَّتَهَا الْحَمْلُ أَوْ الْحَيْضُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَا مَعًا الْعِدَّةَ لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ وَتَقْصُرَ الْمَرْأَةُ عَنْ الطَّلاَقِ إنْ طَلَبَتْهُ، وَإِذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يُعَلِّمَ ابْنَ عُمَرَ مَوْضِعَ الطَّلاَقِ فَلَمْ يُسَمِّ لَهُ مِنْ الطَّلاَقِ عَدَدًا فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي عَدَدِ مَا يُطَلِّقُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الطَّلاَقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَلاَثًا مَعَ دَلاَئِلَ تُشْبِهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَدَلاَئِلَ الْقِيَاسِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ أَوْ لاَ تَحِيضُ فَلاَ سُنَّةَ فِي طَلاَقِهَا إلَّا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ مَتَى طَلَّقَهَا فَيُطَلِّقُهَا مَتَى شَاءَ فَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، لاَ لِلسُّنَّةِ وَلاَ لِلْبِدْعَةِ، طَلُقَتْ مَكَانَهَا قَالَ وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَحَمَلَتْ، فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ أَوْ بِلاَ سُنَّةٍ وَلاَ بِدْعَةٍ كَانَتْ مِثْلَ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لاَ تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَهِيَ مِثْلُ الْمَرْأَتَيْنِ قَبْلَهَا لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فِي وُقُوعِ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَلاَقِ وَاحِدَةٍ مِمَّنْ سُمِّيَتْ سُنَّةً إلَّا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَيْهَا حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ بِلاَ وَقْتٍ لِعِدَّةٍ لِأَنَّهُنَّ خَوَارِجُ مِنْ أَنْ يَكُنَّ مَدْخُولاً بِهِنَّ وَمِمَّنْ لَيْسَتْ عِدَدُهُنَّ الْحَيْضَ وَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ فِي وَقْتٍ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إذَا كَانَ الرَّجُلُ غَائِبًا عَنْ امْرَأَتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا وَقَدْ حِضْت بَعْدَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِك فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كَانَ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَلَمْ يَمَسَّهَا بَعْدَ الطُّهْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ وَطَهُرَتْ وَهُوَ غَائِبٌ كَتَبَ إلَيْهَا إذَا أَتَاك كِتَابِي فَإِنْ كُنْت طَاهِرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ كُنْت حَائِضًا فَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ قَالَ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تَحِيضُ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ سَأَلَتْهُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا لِلسُّنَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا وَلَمْ يُجَامِعْهَا فِي طُهْرِهَا ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا فِي حَالِهَا تِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا قَدْ جَامَعَهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَوَقَعَ عَلَى الطَّاهِرَةِ الْمُجَامَعَةِ حَيْثُ تَطْهُرُ مِنْ أَوَّلِ حَيْضَةٍ تَحِيضُهَا بَعْدَ قَوْلِهِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حِينَ تَرَى الطُّهْرَ وَقَبْلَ الْغُسْلِ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ حِينَ تَكَلَّمْت وَقَعَتْ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا بِإِرَادَتِهِ، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ جَمِيعًا مَعًا فِي وَقْتِ طَلاَقِ السُّنَّةِ إذَا كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعْنَ حِينَ قَالَهُ وَإِنْ كَانَتْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا أَوْ طَاهِرًا فَإِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ تَجَامُعٍ، وَلَوْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً وَقَعْنَ مَعًا كَمَا وَصَفْت فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَقَعْنَ عَلَى مَا نَوَاهُ وَيَسَعُهُ رَجْعَتُهَا وَإِصَابَتُهَا بَيْنَ كُلِّ تَطْلِيقَتَيْنِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْمَرْأَةِ بِأَنْ تَدْخُلَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي الْحُكْمِ وَلَهَا أَنْ لاَ تَنْكِحَهُ وَتَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا عِنْدَ كُلِّ قُرْءٍ لَك وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُجَامَعَةً أَوْ غَيْرَ مُجَامَعَةٍ وَقَعَتْ الْأُولَى لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْءٌ، وَلَوْ طَلُقَتْ فِيهِ اعْتَدَّتْ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَتْ الْأُولَى إذَا طَهُرَتْ مِنْ النِّفَاسِ وَوَقَعَتْ الْأُخْرَى إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَيَبْقَى عَلَيْهَا مِنْ عِدَّتِهَا قُرْءٌ، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ الطَّلاَقِ كُلِّهِ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا هَذَا الْقَوْلَ وَهِيَ طَاهِرٌ أَوْ وَهِيَ حُبْلَى وَقَعَتْ الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ الثِّنْتَانِ كَانَتْ تَحِيضُ عَلَى الْحَبَلِ أَوْ لاَ تَحِيضُ حَتَّى تَلِدَ ثُمَّ تَطْهُرَ فَيَقَعَ عَلَيْهَا إنْ ارْتَجَعَ فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ لَهَا رَجْعَةً فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلاَ تَقَعُ الثِّنْتَانِ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ مِنْهُ وَحَلَّتْ لِغَيْرِهِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ قَالَ وَسَوَاءٌ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا يَقَعْنَ مَعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ سُنَّةٌ إلَّا أَنِّي أُحِبُّ لَهُ أَنْ لاَ يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَرَدْت طَلاَقًا لِلسُّنَّةِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ مَكَانَهُ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ أَوْ وَهُوَ يَنْوِي وُقُوعَ الطَّلاَقِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا قَدْ جُومِعَتْ أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ الْبِدْعَةِ. فَإِذَا طَهُرَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةُ السُّنَّةِ وَسَوَاءٌ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً سُنِّيَّةً وَأُخْرَى بِدْعِيَّةً أَوْ تَطْلِيقَةً لِلسُّنَّةِ وَأُخْرَى لِلْبِدْعَةِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَثَلاَثًا لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتْ عَلَيْهَا ثَلاَثًا حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهَا لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ فِي حَالِ سُنَّةٍ أَوْ حَالِ بِدْعَةٍ فَيَقَعْنَ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَهُ فَإِنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ أَوْقَعْنَا اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ فِي مَوْضِعِهِمَا. وَوَاحِدَةً لِلْبِدْعَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَلِلْبِدْعَةِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِثَلاَثٍ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ أَنْ يَقَعْنَ مَعًا وَقَعْنَ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَهَكَذَا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّ السُّنَّةَ وَالْبِدْعَةَ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَلاَ نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ لِلسُّنَّةِ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِالطَّلاَقِ وَوَاحِدَةٌ لِلْبِدْعَةِ حِينَ تَحِيضُ. وَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ فِي دَمِ نِفَاسٍ أَوْ حَيْضٍ وَقَعَتْ حِينَ تَكَلَّمَ اثْنَتَانِ لِلْبِدْعَةِ وَإِذَا طَهُرَتْ وَاحِدَةٌ لِلسُّنَّةِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ أَوْ أَجْمَلَ الطَّلاَقِ أَوْ أَفْضَلَ الطَّلاَقِ أَوْ أَكْمَلَ الطَّلاَقِ أَوْ خَيْرَ الطَّلاَقِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ تَفْصِيلِ الْكَلاَمِ سَأَلَتْهُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا وَقَعَ الطَّلاَقُ لِلسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا نَوَيْت إيقَاعَهُ فِي وَقْتٍ أَعْرِفُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَا أَعْرِفُ حَسَنَ الطَّلاَقِ وَلاَ قَبِيحَهُ بِصِفَةٍ غَيْرَ أَنِّي نَوَيْت أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ وَمَا قُلْت مَعَهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمْت بِهِ لاَ يَكُونُ لَهُ مُدَّةٌ غَيْرُ الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمْت بِهِ فِيهِ فَيَقَعُ حِينَئِذٍ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ أَوْ يَقُولُ أَرَدْت بِأَحْسَنِهِ أَنِّي طَلَّقْت مِنْ الْغَضَبِ أَوْ غَيْرِهِ فَيَقَعُ حِينَ يَتَكَلَّمُ بِهِ إذَا جَاءَ بِدَلاَلَةٍ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ أَوْ أَسْمَجَ أَوْ أَقْذَرَ أَوْ أَشَرَّ أَوْ أَنْتَنَ أَوْ آلَمَ أَوْ أَبْغَضَ الطَّلاَقِ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَقْبُحُ بِهِ الطَّلاَقُ سَأَلْنَاهُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت مَا يُخَالِفُ السُّنَّةَ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَرَدْت إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ يُقَبِّحُ الْأَقْبَحَ وَقَعَ طَلاَقَ بِدْعَةٍ إنْ كَانَتْ طَاهِرًا مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ مَكَانَهُ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ إذَا حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ أَوْ جُومِعَتْ وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا أَوْ خَرِسَ أَوْ عَتِهَ قَبْلَ يَسْأَلَ وَقَعَ الطَّلاَقُ فِي مَوْضِعِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ سُئِلَ فَقَالَ نَوَيْت أَقْبَحَ الطَّلاَقِ لَهَا إذَا طَلَّقْتهَا لِرِيبَةٍ رَأَيْتهَا مِنْهَا أَوْ سُوءِ عِشْرَةٍ أَوْ بَغْضَةً مِنِّي لَهَا أَوْ لِبُغْضِهَا مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ يَقْبُحُ بِهَا وَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْهُ فِي أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتٍ فَيُوقِعَهُ فِيهِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَجْمَعُ الشَّيْءَ وَخِلاَفَهُ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ لِأَنَّ مَا أَوْقَعَ فِي ذَلِكَ وَقَعَ بِإِحْدَى الصِّفَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت أَنْ يَقَعَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ لَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ ثِنْتَانِ أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ إلَّا عَلَى نِيَّتِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ السَّاعَةَ أَوْ الْآنَ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذَا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلاَ غَيْرِهَا بِهَذَا الطَّلاَقِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ الطَّلاَقُ الْآنَ أَوْ السَّاعَةَ أَوْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ فِي هَذَا الْحِينِ يَقَعُ عَلَيْك لِلْبِدْعَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُجَامَعَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَلُقَتْ وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي هَذَا كُلِّهِ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا أَوْ مَدْخُولاً بِهَا لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حُبْلَى وَقَعَ هَذَا كُلُّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ أَرَدْت طَلاَقًا ثَلاَثًا، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاَقِ أَوْ بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا كَانَ ثَلاَثًا وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ زِيَادَةً فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ كَانَتْ فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَكْمَلَ الطَّلاَقِ فَهَكَذَا، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ عَدَدًا أَوْ قَالَ أَكْثَرَ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهُنَّ ثَلاَثٌ وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا ثَلاَثٌ. قَالَ وَطَلاَقُ الْمَدْخُولِ بِهَا حُرَّةً مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً سَوَاءٌ فِي وَقْتِ إيقَاعِهِ وَإِنْ نَوَى شَيْئًا وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَوَى، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ مَكَّةَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ مِلْءَ الدُّنْيَا أَوْ قَالَ مِلْءَ شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا لاَ تَمْلاَُ شَيْئًا إلَّا بِكَلاَمٍ فَالْوَاحِدَةُ وَالثَّلاَثُ سَوَاءٌ فِيمَا يُمْلاَُ بِالْكَلاَمِ. قَالَ وَلَوْ وَقَّتَ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا أَوْ إلَى سَنَةٍ أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَوْ كَانَ مِنْك كَذَا طَلُقَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَ وَلاَ تَطْلُقْ قَبْلَهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الَّتِي تَحِيضُ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ أَوْ عَتَقَ فُلاَنٌ أَوْ إذَا فَعَلَ فُلاَنٌ كَذَا وَكَذَا أَوْ إذَا فَعَلْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ مَا أَوْقَعَ بِهِ الطَّلاَقَ حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي وَقْتِ كَذَا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَإِنْ كَانَ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُجَامَعَةٌ لَمْ يَقَعْ إلَّا بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضَةٍ قَبْلَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ لاَ لِلسُّنَّةِ وَلاَ لِلْبِدْعَةِ أَوْ لِلسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ كَانَتْ طَالِقًا حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَةً لَهُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثَلاَثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالاَ لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَك فَقَالَ إنَّمَا كَانَ طَلاَقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّك أَرْسَلْت مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ الْعَاصِ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْت إنَّمَا طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إنَّمَا أَنْتَ قَاضٍ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} وَقَالَ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} الآيَةَ. فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ لِمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا جَعَلَ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَكَانَ الزَّوْجُ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَ الْمُطَلِّقِ فَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلاَ عِدَّةَ وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهَا نِكَاحُهُ وَسَوَاءٌ الْبِكْرُ فِي هَذَا وَالثَّيِّبُ. قَالَ وَلَوْ قَالَ لِلْمَرْأَةِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلاَثًا لِلْبِدْعَةِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعْنَ مَعًا حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا سُنَّةٌ وَلاَ بِدْعَةٌ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حُبْلَى، وَإِذَا أَرَادَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلاَثًا أَنْ يَقَعْنَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً لَزِمَهُ فِي حُكْمِ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا يَقَعْنَ مَعًا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَرْتَجِعَهَا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَيُصِيبَهَا وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَلاَ تَتْرُكَهُ وَنَفْسَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُنَّ وَقَعْنَ مَعًا وَهِيَ لاَ تَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ وَقَدْ يَكْذِبُ عَلَى قَلْبِهِ وَلَوْ قَالَ لِلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعْنَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَقَعْنَ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ فَلاَ يَسَعُهَا أَنْ تُصَدِّقَهُ لِأَنَّهُ لاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا فَتَقَعُ الثِّنْتَانِ عَلَيْهَا فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةً وَيَسَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ وَلاَ تَقَعُ اثْنَتَانِ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ مُعْتَدَّةٍ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ تَحِيضُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ أَوْ ثَلاَثًا لِلسُّنَّةِ فَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ فُلاَنٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْوَاحِدَةُ أَوْ الثَّلاَثُ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَإِنْ قَدِمَ فُلاَنٌ وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ أَوَّلِ حَيْضٍ طَلُقَتْ قَبْلَ يُجَامِعُ وَأَسْأَلُهُ هَلْ أَرَادَ إيقَاعَ الطَّلاَقِ بِقُدُومِ فُلاَنٍ فَقَطْ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَوْ قَالَ أَرَدْت إيقَاعَ الطَّلاَقِ بِقُدُومِ فُلاَنٍ لِلسُّنَّةِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لاَ سُنَّةَ الَّتِي دَخَلَ بِهَا أَوْقَعْته عَلَيْهِ كَيْفَمَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا حِينَ حَلَفَ وَلاَ حِينَ نَوَى السُّنَّةَ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَبَنَى وَإِنِّي أُوقِعُ الطَّلاَقَ بِنِيَّتِهِ مَعَ كَلاَمِهِ. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْأُولَى وَلَمْ تَقَعْ عَلَيْهَا. الثِّنْتَانِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأُولَى كَلِمَةٌ تَامَّةٌ وَقَعَ بِهَا الطَّلاَقُ فَبَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِلاَ عِدَّةٍ عَلَيْهَا وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ عَلَى غَيْرِ زَوْجَةٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيُطَلِّقُ امْرَأَةً عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ؟ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ مِنْ حِينِ طَلَّقَهَا التَّطْلِيقَةَ الْأُولَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي غُرَّةِ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا رَأَى غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا فَتِلْكَ غُرَّتُهُ فَإِنْ أَصَابَهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ يَوْمَ أَوْقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقَ أَوْ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الْهِلاَلَ رُئِيَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ قَبْلَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا أَوْ الْهِلاَلَ رُئِيَ قَبْلِ إصَابَتِهِ إيَّاهَا إلَّا أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إصَابَتَهُ كَانَتْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ رُئِيَ الْهِلاَلُ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلاَقُ قَبْلَ إصَابَتِهِ إيَّاهَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا بِإِصَابَتِهِ إيَّاهَا بَعْدَ وُقُوعِ طَلاَقِهِ عَلَيْهَا ثَلاَثًا إنْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَكُنْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلاَقِ إلَّا هِيَ، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلاَ تَكُونُ إصَابَتُهُ إيَّاهَا رَجْعَةً، وَالْقَوْلُ فِي الْإِصَابَةِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْحِنْثِ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِي الْحِنْثِ بِخِلاَفِ مَا قَالَ أَوْ بَيَّنَهُ بِإِقْرَارِهِ بِإِصَابَةٍ تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَيُؤْخَذُ لَهَا. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّةِ هِلاَلِ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي دُخُولِ شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي اسْتِقْبَالِ شَهْرِ كَذَا كَانَتْ طَالِقًا سَاعَةَ تَغِيبُ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي يَرَى فِيهَا هِلاَلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَلَوْ رُئِيَ هِلاَلُ ذَلِكَ الشَّهْرِ بِعَشِيٍّ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِمَغِيبِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ لاَ يُعَدُّ الْهِلاَلُ إلَّا مِنْ لَيْلَتِهِ لاَ مِنْ نَهَارٍ يُرَى فِيهِ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي لَيْلَتِهِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا دَخَلَتْ سَنَةُ كَذَا أَوْ فِي مَدْخَلِ سَنَةِ كَذَا أَوْ فِي سَنَةِ كَذَا أَوْ إذَا أَتَتْ سَنَةُ كَذَا كَانَ هَذَا كَالشَّهْرِ لاَ يَخْتَلِفُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الَّتِي أَوْقَعَ فِيهَا الطَّلاَقَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي انْسِلاَخِ شَهْرِ كَذَا أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرِ كَذَا أَوْ نَفَادِ شَهْرِ كَذَا فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ الشَّهْرُ فَرُئِيَ الْهِلاَلُ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ فَهِيَ طَالِقٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَوْ طَالِقٌ عَامَ أَوَّلٍ أَوْ طَالِقٌ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي أَوْ فِي الْجُمُعَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ خَرِسَ فَهِيَ طَالِقٌ السَّاعَةَ وَتَعْتَدُّ مِنْ سَاعَتِهَا، وَقَوْلُهُ طَالِقٌ فِي وَقْتٍ قَدْ مَضَى يُرِيدُ إيقَاعَهُ الْآنَ مُحَالٌ قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَأَرَادَ إيقَاعَهُ السَّاعَةَ فِي أَمْسِ فَلاَ يَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ لِأَنَّ أَمْسِ قَدْ مَضَى فَلاَ يَقَعُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ سُئِلَ فَقَالَ قُلْته بِلاَ نِيَّةِ شَيْءٍ أَوْ قَالَ قُلْته لاََنْ يَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ وَاعْتَدَّتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ قَالَ قُلْته مُقِرًّا أَنِّي قَدْ طَلَّقْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ ثُمَّ أَصَبْتهَا فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَعْتَدُّ مِنْ يَوْمِ أَصَابَهَا وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي وَقْتِ كَذَا وَصَدَّقَتْهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اعْتَدَّتْ مِنْهُ مِنْ حِينِ قَالَهُ، وَإِنْ قَالَتْ لاَ أَدْرِي اعْتَدَّتْ مِنْ حِينِ اسْتَيْقَنَتْ وَكَانَتْ كَامْرَأَةٍ طَلُقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ قَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَالَ قَدْ كُنْت طَلَّقْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَعَنَيْت أَنَّك كُنْت طَالِقًا فِيهِ بِطَلاَقِي إيَّاكِ أَوْ طَلَّقَهَا زَوْجٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَقُلْت أَنْتِ طَالِقٌ أَيْ مُطَلَّقَةٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُطَلَّقَةً فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهَا أُحْلِفَ مَا أَرَادَ بِهِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وَطَلُقَتْ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهَكَذَا إنْ قَالَ كُنْت مُطَلَّقَةً أَوْ يَا مُطَلَّقَةُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. قَالَ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ أَصَابَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك أَوْ حِينَ طَلَّقْتُك أَوْ مَتَى مَا طَلَّقْتُك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَقَعَتْ عَلَيْهَا التَّطْلِيقَةُ بِابْتِدَائِهِ الطَّلاَقَ وَكَانَ وُقُوعُ الطَّلاَقِ عَلَيْهَا غَايَةً طَلْقِهَا إلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ وَإِذَا دَخَلْت الدَّارَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ بِالْغَايَةِ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا بَعْدَهُ طَلاَقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلاَقِي أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقُهُ فَإِذَا أَوْقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الثَّلاَثُ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ لِلطَّلاَقِ وَالثَّانِيَةُ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ غَايَةٌ لَهَا. وَالثَّالِثَةُ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ غَايَةٌ لَهَا وَكَانَ هَذَا كَقَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ وَكُلَّمَا كَلَّمْت فُلاَنًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا أَحْدَثَتْ شَيْئًا مِمَّا جَعَلَهُ غَايَةً يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِهِ طَلُقَتْ. وَلَوْ قَالَ إنَّمَا أَرَدْت بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّك إذَا طَلَّقْتُك طَالِقٌ بِطَلاَقِي لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ غَيْرُ مَا قَالَ وَكَانَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْبِسَهَا وَلاَ يَسَعُهَا هِيَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ مِنْ صِدْقِهِ مَا يَعْرِفُ مِنْ صِدْقِ نَفْسِهِ وَهَكَذَا إنْ طَلَّقَهَا بِصَرِيحِ الطَّلاَقِ أَوْ كَلاَمٍ يُشْبِهُ الطَّلاَقَ نِيَّتُهُ فِيهِ الطَّلاَقُ وَهَكَذَا إنْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَوْ مَلَّكَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ هَذَا بِطَلاَقِهِ وَقَعَ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ طَلاَقٍ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ مِثْلُ الْإِيلاَءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ قَالَ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَ لاَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا إلَّا الطَّلاَقُ الَّذِي أَوْقَعَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الطَّلاَقَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ لاَ يَقَعُ إلَّا بِغَايَةِ الْأُولَى بَعْدَ وُقُوعِهَا فَلاَ يَقَعُ طَلاَقُهُ عَلَى امْرَأَةٍ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا وَقَعَ عَلَيْك طَلاَقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَهَا فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةُ الْخُلْعِ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا لِأَنَّ الطَّلاَقَ الَّذِي أُوقِعَ بِالْخُلْعِ يَقَعُ وَهِيَ بَعْدَهُ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا. قَالَ الرَّبِيعُ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا طَلَّقْتُك فَأَرَادَ أَنْ تَكُونَ طَالِقًا بِالطَّلاَقِ إذَا طَلَّقَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكُلُّ فَسْخٍ كَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَلاَ يَقَعُ بِهِ طَلاَقٌ لاَ وَاحِدَةٌ وَلاَ مَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَتُعْتَقُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ أَوْ يَكُونَ عِنِّينًا فَتُخَيَّرَ فَتَخْتَارَ فِرَاقَهُ أَوْ يَنْكِحَهَا مُحْرِمًا فَيُفْسَخَ نِكَاحُهُ أَوْ نِكَاحُ مُتْعَةٍ وَلاَ يَقَعُ بِهَذَا نَفْسِهِ طَلاَقٌ وَلاَ بَعْدَهُ لِأَنَّ هَذَا فَسْخٌ بِلاَ طَلاَقٍ. وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَيْنَ كُنْت فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا إلَّا هِيَ لِأَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ أَيْنَ كَانَتْ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ كُنْت وَأَنَّى كُنْت وَمِنْ أَيْنَ كُنْت. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَيُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ طَالِقًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كُنْت طَالِقًا وَقَعَ اثْنَتَانِ الْأُولَى بِإِيقَاعِهِ الطَّلاَقِ. وَالثَّانِيَةُ بِالْحِنْثِ وَالْأُولَى لَهَا غَايَةٌ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ مَعًا وَإِنْ قَالَ أَرَدْت إفْهَامَ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ أُحْلِفَ، وَكَانَتْ وَاحِدَةً. قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ بَلَدَ كَذَا وَكَذَا فَقَدِمَ فُلاَنٌ ذَلِكَ الْبَلَدَ طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَقْدُمُ ذَلِكَ الْبَلَدَ وَقَدِمَ بَلَدًا غَيْرَهُ لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَكُلَّمَا قَدِمَ فُلاَنٌ طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً ثُمَّ كُلَّمَا غَابَ مِنْ الْمِصْرِ وَقَدِمَ فَهِيَ طَالِقٌ أُخْرَى حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ الطَّلاَقِ؟ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقُدِمَ بِفُلاَنٍ مَيِّتًا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إذَا قَدِمَ فُلاَنٌ فَقُدِمَ بِفُلاَنٍ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حُكْمَ مَا فُعِلَ بِهِ مُكْرَهًا كَمَا لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى رَأَيْتِ فُلاَنًا بِهَذَا الْبَلَدِ فَرَأَتْهُ وَقَدْ قُدِمَ بِهِ مُكْرَهًا طَلُقَتْ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلاَقَ بِرُؤْيَتِهَا نَفْسَ فُلاَنٍ وَلَيْسَ فِي رُؤْيَتِهَا فُلاَنًا إكْرَاهٌ لَهَا يُبْطِلُ بِهِ عَنْهَا الطَّلاَقَ قَالَ الرَّبِيعُ إذَا كَانَ كُلُّ قُدُومِهِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَأَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ فَغَابَ ثُمَّ قَدِمَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَهِيَ كَأَجْنَبِيَّةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلاَنًا فَكَلَّمَتْ فُلاَنًا وَهُوَ حَيٌّ طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ حَيْثُ يَسْمَعُ كَلاَمَهَا طَلُقَتْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا أَوْ نَائِمًا أَوْ بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلاَمَ مَنْ كَلَّمَهُ بِمِثْلِ كَلاَمِهَا لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ كَلَّمَتْهُ وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ مَغْلُوبَةٌ عَلَى عَقْلِهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْكَلاَمِ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ وَلاَ يَلْزَمُهَا بِهِ حُكْمٌ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَتْ عَلَى كَلاَمِهِ لَمْ تَطْلُقْ. وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ الْأُولَى وَيُسْأَلُ عَمَّا نَوَى فِي اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ أَرَادَ تَبْيِينَ الْأُولَى فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ إحْدَاثَ طَلاَقٍ بَعْدَ الْأُولَى فَهُوَ مَا أَرَادَ. وَإِنْ أَرَادَ بِالثَّالِثَةِ تَبْيِينَ الثَّانِيَةَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا ثَالِثًا فَهِيَ ثَالِثَةٌ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ فَهِيَ ثَلاَثٌ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَنَّهَا ثَلاَثٌ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافُ كَلاَمٍ فِي الظَّاهِرِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا فَهِيَ طَالِقٌ. وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلاَقًا وَأَرَادَ إفْهَامَ الْأَوَّلَ أَوْ تَكْرِيرَهُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَ الْكَلاَمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَةِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ كَانَتْ طَالِقًا ثَالِثًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءُ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامٌ، وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا ابْتِدَاءَ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا وَصَفْت. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ طَالِقٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا اثْنَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا اسْتِئْنَافُ كَلاَمٍ فِي الظَّاهِرِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلاَقًا فَهِيَ طَالِقٌ. وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهَا طَلاَقًا وَأَرَادَ إفْهَامَ الْأَوَّلَ أَوْ تَكْرِيرَهُ فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ. وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ إفْهَامَ الْكَلاَمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثَةِ إحْدَاثَ طَلاَقٍ كَانَتْ طَالِقًا ثَالِثًا فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الثَّانِيَةِ ابْتِدَاءُ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامٌ، وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَعُ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا ابْتِدَاءَ طَلاَقٍ لاَ إفْهَامًا وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ اثْنَتَانِ وَدِينَ فِي الثَّالِثَةِ كَمَا وَصَفْت. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ طَالِقٌ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ أَرَدْت إفْهَامًا أَوْ تَكْرِيرَ الْأُولَى عَلَيْهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّ بَلْ: إيقَاعُ طَلاَقٍ حَادِثٍ لاَ إفْهَامُ مَاضٍ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلاَقًا كَانَتْ وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ طَلاَقًا ثَانِيَةً لِأَنَّ طَالِقَ طَلاَقًا ابْتِدَاءً صِفَةُ طَلاَقٍ كَقَوْلِهِ طَلاَقًا حَسَنًا أَوْ طَلاَقًا قَبِيحًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ وَاحِدَةٌ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ. فَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَمْ أُرِدْ بِاَلَّتِي قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا طَلاَقًا لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا. ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ، فَقَالَ أَرَدْت أَنِّي كُنْت قَدْ طَلَّقْتهَا قَبْلَهَا وَاحِدَةً أُحْلِفَ وَدِينَ فِي الْحُكْمِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ. ثُمَّ سَكَتَ. ثُمَّ قَالَ أَرَدْت بَعْدَهَا وَاحِدَةً أُوقِعُهَا عَلَيْك بَعْدَ وَقْتٍ أَوْ لاَ أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا بَعْدَهُ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ بَدَنُك أَوْ رَأْسُك أَوْ فَرْجُك أَوْ رِجْلُك أَوْ يَدُك أَوْ سَمَّى عُضْوًا مِنْ جَسَدِهَا أَوْ إصْبَعَهَا أَوْ طَرَفًا مَا كَانَ مِنْهَا طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا بَعْضُك طَالِقٌ أَوْ جُزْءٌ مِنْك طَالِقٌ أَوْ سَمَّى جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ طَالِقًا كَانَتْ طَالِقًا وَالطَّلاَقُ لاَ يَتَبَعَّضُ وَإِذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ أَوْ ثُلُثَ أَوْ رُبُعَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ جُزْءًا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ كَانَتْ طَالِقًا وَالطَّلاَقُ لاَ يَتَبَعَّضُ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً إلَّا أَنْ يُرِيدَ اثْنَتَيْنِ أَوْ يَقُولَ أَرَدْت أَنْ يَقَعَ نِصْفٌ بِحُكْمِهِ مَا كَانَ وَنِصْفٌ مُسْتَأْنَفٌ بِحُكْمِهِ مَا كَانَ فَتَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثَةَ أَثْلاَثِ تَطْلِيقَةٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعِ تَطْلِيقَةٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ تَجْمَعُ نِصْفَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةَ أَثْلاَثٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَرْبَاعٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ أَكْثَرَ فَيَقَعَ بِالنِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ وَثُلُثَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ أَوْ نِصْفَ وَرُبُعَ وَسُدُسَ تَطْلِيقَةٍ. وَلَوْ نَظَرَ رَجُلٌ إلَى امْرَأَةٍ لَهُ وَامْرَأَةٍ مَعَهَا لَيْسَتْ لَهُ بِامْرَأَةٍ فَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَإِنْ أَرَادَ امْرَأَتَهُ فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ أُحْلِفَ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا طَلاَقٌ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنْ قَالَ مَا نَوَيْت شَيْئًا لَمْ تَكُنْ طَالِقًا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لاَ تَكُونُ دَاخِلَةً فِي اثْنَتَيْنِ بِالْحِسَابِ فَهُوَ مَا أَرَادَ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ مَقْرُونَةً بِثِنْتَيْنِ كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا فِي الْحُكْمِ. قَالَ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ بَاقِيَةٌ لِي عَلَيْك كَانَتْ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةٌ بَاقِيَةٌ لِي عَلَيْك وَوَاحِدَةٌ لاَ أُوقِعُهَا عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لاَ يَقَعُ عَلَيْك إلَّا وَاحِدَةٌ تَقَعُ عَلَيْك وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلاَقِ. وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ قَدْ أَوْقَعْت بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةً كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّلاَقِ تُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقًا مَا سَمَّى مِنْ جَمَاعَتِهِنَّ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَإِنْ قَالَ قَدْ أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسَ تَطْلِيقَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّمَانِ شَيْئًا مِنْ الطَّلاَقِ كُنَّ طَوَالِقَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنْ يَكُونَ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَتْ الَّتِي أَرَادَ طَالِقًا ثَلاَثًا وَلَمْ يُدَيَّنْ فِي الْأُخَرِ مَعَهَا فِي الْحُكْمِ وَدِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ مَنْ بَقِيَ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ لِبَعْضِكُنَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِمَّا لِبَعْضٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأَقَلُّ مَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ فِي الْحُكْمِ ثُمَّ يُوقَفُ حَتَّى يُوقِعَ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِالْفَضْلِ مِنْهُنَّ الْفَضْلَ وَلاَ يَكُونَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ إيقَاعًا لَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ فِي أَصْلِ الطَّلاَقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى بِالْفَضْلِ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَشَاءَ أَنْ تَكُونَ التَّطْلِيقَةُ الْفَضْلُ بَيْنَهُنَّ أَرْبَاعًا فَكُنَّ جَمِيعًا تَطْلِيقَتَيْنِ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا اثْنَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا وَاحِدَةً فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إلَّا ثَلاَثًا كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا إنَّمَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزًا إذَا بَقِيَ مِمَّا سَمَّى شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا أَوْقَعَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْقَ مِمَّا سَمَّى شَيْئًا مِمَّا اسْتَثْنَى فَلاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ حِينَئِذٍ مُحَالٌ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً كَانَتْ طَالِقًا ثَلاَثًا لِأَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ وَحْدَهَا وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنْ وَاحِدَةٍ كَمَا لَوْ قَالَ لِغُلاَمَيْنِ لَهُ مُبَارَكٌ حُرٌّ وَسَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سَالِمًا لَمْ يَجُزْ الِاسْتِثْنَاءُ وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِمَا مَعًا كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ سَالِمٌ حُرٌّ إلَّا سَالِمًا لاَ يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ إذَا فَرَّقَ الْكَلاَمَ وَيَجُوزُ إذَا جَمَعَهُ ثُمَّ بَقِيَ شَيْءٌ يَقَعُ بِهِ بَعْضُ مَا أَوْقَعَ، وَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَاسْتَثْنَى نِصْفَهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلاَقِ يَكُونُ تَطْلِيقَةً تَامَّةً لَوْ ابْتَدَأَهُ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تَطْلُقْ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ كَهُوَ فِي الْأَيْمَانِ لاَ يُخَالِفُهَا. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ فُلاَنٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَشَاءَ فُلاَنٌ، وَإِنْ مَاتَ فُلاَنٌ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ أَوْ خَرِسَ أَوْ غَابَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ بِحَالِهَا، فَإِنْ قَالَتْ قَدْ شَاءَ فُلاَنٌ وَقَالَ الزَّوْجُ لَمْ يَشَأْ فُلاَنٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ شَاءَ فُلاَنٌ وَهُوَ مَعْتُوهٌ أَوْ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ غَيْرَ سُكْرٍ لَمْ تَكُنْ طَالِقًا وَلَوْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانُ كَانَتْ طَالِقًا لِأَنَّ كَلاَمَهُ سَكْرَانَ كَلاَمٌ يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ. وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلاَ يَكُونُ الْبَائِنُ بَائِنًا مِمَّا ابْتَدَأَ مِنْ الطَّلاَقِ إلَّا مَا أُخِذَ عَلَيْهِ جُعْلاً كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ أَنْتَ حُرٌّ وَلاَ وَلاَءَ لِي عَلَيْك كَانَ حُرًّا وَلَهُ وَلاَؤُهُ لِأَنَّ قَضَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ «الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَقَضَاءَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الْمُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَاثْنَتَيْنِ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ فَلاَ يَبْطُلُ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرِئٍ بِقَوْلِ نَفْسِهِ. وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً غَلِيظَةً أَوْ وَاحِدَةً أَغْلَظَ أَوْ أَشَدَّ أَوْ أَفْظَعَ أَوْ أَعْظَمَ أَوْ أَطْوَلَ أَوْ أَكْبَرَ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً لاَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَيَكُونُ الزَّوْجُ فِي كُلِّهَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِمَا وَصَفْت. وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا تَقَعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةٌ كَانَ كَمَا قَالَ وَلَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ فَإِنْ أَلْقَتْ حَمْلاً فَبَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ جَاءَ الْغَدُ وَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْهُ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلاَ الثَّالِثَةُ، فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَوَقَعَتْ الْأُولَى فِي أَوَّلِ شَهْرٍ وَوَقَعَتْ الْآخِرَتَانِ وَاحِدَةٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ وَقَعَتْ الثَّلاَثُ وَلَوْ مَضَتْ الْعِدَّةُ فَوَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهَا لِأَنَّهُ وَقَعَ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا كُلُّ سَنَةٍ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَتْ الْأُولَى فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْهَا حَتَّى رَاجَعَهَا فَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ زَوْجَةٌ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ وَلَكِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ فَجَاءَتْ السَّنَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَ الطَّلاَقُ وَلَوْ وَقَعَتْ الْأُولَى ثُمَّ جَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ وَلاَ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ لَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُ وَجَاءَتْ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ، وَلَوْ خَالَعَهَا فَكَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ فِي عِدَّةٍ لاَ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِيهَا. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ فَخَالَعَهَا ثُمَّ مَضَتْ السَّنَةُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْهُ أَوْ فِي غَيْرِ عِدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ لِأَنَّ وَقْتَ الطَّلاَقِ وَقَعَ وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ فَإِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا فَكُلَّمَا مَضَتْ سَنَةٌ مِنْ يَوْمِ نُكِحَتْ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ حَتَّى يَنْقَضِيَ طَلاَقُ الْمِلْكِ كُلِّهِ قَالَ الرَّبِيعُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ إذَا خَالَعَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِمَجِيءِ السَّنَةِ لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ أَوْ فِي مُضِيِّ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ أَوْ بَعْدَ مَا وَقَعَ بَعْضُهُنَّ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا فَمَرَّتْ تِلْكَ الشُّهُورُ لَمْ يَلْزَمْهَا مِنْ الطَّلاَقِ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلاَقَ ذَلِكَ الْمِلْكِ مَضَى عَلَيْهِ كُلَّهُ وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ فَلاَ تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَكَانَتْ كَمَنْ لَمْ تُنْكَحْ قَطُّ فِي أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَيْهَا طَلاَقٌ عَقَدَهُ فِي الْمِلْكِ الَّذِي بَعْدَ الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَبَقِيَ مِنْ طَلاَقِ ذَلِكَ الْمِلْكِ شَيْءٌ ثُمَّ مَرَّتْ لَهَا مُدَّةٌ أَوْقَعَ عَلَيْهَا فِيهَا الطَّلاَقَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَقَعَ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ الطَّلاَقِ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلَّمَا دَخَلَتْهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ أَوْ فِي عِدَّةٍ مِنْ فُرْقَةٍ لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَهِيَ غَيْرُ طَالِقٍ فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَأَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَ بِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلاَقُ بِكَلاَمٍ مُتَقَدِّمٍ فِي مِلْكِ نِكَاحٍ قَدْ حُرِّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَهُ زَوْجًا أَحَلَّ اسْتِئْنَافَ النِّكَاحِ وَإِذَا هَدَمَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الطَّلاَقَ حَتَّى صَارَتْ كَمَنْ ابْتَدَأَ نِكَاحَهُ مِمَّنْ لَمْ تَنْكِحْهُ قَطُّ هَدَمَ الْيَمِينَ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ مِنْ الطَّلاَقِ. وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا حِضْت وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ الطَّلاَقُ فِيهِ فِي وَقْتٍ فَعَلَى هَذَا الْباب كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ سَنَةٍ ثَلاَثًا فَطَلُقَتْ ثَلاَثًا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ زَوْجًا أَصَابَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا فِيمَا يَمْضِي مِنْ السِّنِينَ بَعْدُ شَيْءٌ لِأَنَّ طَلاَقَ الْمِلْكِ الَّذِي عُقِدَ فِيهِ الطَّلاَقُ بِوَقْتٍ قَدْ مَضَى. وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَطْلِيقَةً فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ أَوْ اثْنَتَانِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَنَكَحَهَا الْأَوَّلُ ثُمَّ مَضَتْ سَنَةٌ وَقَعَتْ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ حَتَّى تَعُدَّ ثَلاَثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَهْدِمُ الثَّلاَثَ وَلاَ يَهْدِمُ الْوَاحِدَةَ وَلاَ الثِّنْتَيْنِ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَانَتْ عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَكَرِهَ مِنْهَا أَمْرًا إمَّا كِبْرًا أَوْ غَيْرَهُ فَأَرَادَ طَلاَقَهَا فَقَالَتْ لاَ تُطَلِّقْنِي وَامْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَك فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِطَلاَقِ بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ لاَ تُطَلِّقْنِي وَدَعْنِي يَحْشُرُنِي اللَّهُ تَعَالَى فِي نِسَائِك وَقَدْ وَهَبْت يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِأُخْتِي عَائِشَةَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَوْدَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى مِثْلِ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ بِأَنْ بَيَّنَّا فِيهِ إذَا خَافَتْ الْمَرْأَةُ نُشُوزَ بَعْلِهَا أَنْ لاَ بَأْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصَالَحَا وَنُشُوزُ الْبَعْلِ عَنْهَا بِكَرَاهِيَتِهِ لَهَا فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حَبْسَهَا عَلَى الْكُرْهِ لَهَا فَلَهَا وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صُلْحَهَا إيَّاهُ بِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا لَهُ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} إلَى: {خَيْرًا كَثِيرًا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ حَبْسُ الْمَرْأَةِ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ الْقِسْمِ لَهَا أَوْ كُلِّهِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا فَإِذَا رَجَعَتْ فِيهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا الْعَدْلُ لَهَا أَوْ فِرَاقُهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَهَبُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا فَمَا أَقَامَتْ عَلَى هِبَتِهِ حَلَّ وَإِذَا رَجَعَتْ فِي هِبَتِهِ حَلَّ مَا مَضَى بِالْهِبَةِ وَلَمْ يَحِلَّ مَا يَسْتَقْبِلُ إلَّا بِتَجْدِيدِ الْهِبَةِ لَهُ قَالَ وَإِذَا وَهَبَتْ لَهُ ذَلِكَ فَأَقَامَ عِنْدَ امْرَأَةٍ لَهُ أَيَّامًا ثُمَّ رَجَعَتْ اسْتَأْنَفَ الْعَدْلَ عَلَيْهَا وَحَلَّ لَهُ مَا مَضَى قَبْلَ رُجُوعِهَا قَالَ فَإِنْ رَجَعَتْ وَلاَ يَعْلَمُ بِالرُّجُوعِ فَأَقَامَ عَلَى مَا حَلَّلَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ قَدْ رَجَعَتْ اسْتَأْنَفَ الْعَدْلَ مِنْ يَوْمِ عَلِمَ وَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى وَإِنْ قَالَ لاَ أُفَارِقُهَا وَلاَ أَعْدِلُ لَهَا أُجْبِرَ عَلَى الْقَسْمِ لَهَا وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهَا قَالَ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ لَهَا الْإِصَابَةَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى لَهَا الْعَدْلَ فِيهَا قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِهِ أَوْ مَعَ أَمَةٍ لَهُ يَطَؤُهَا أُمِرَ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ لاَ يَضْرِبَهَا فِي الْجِمَاعِ وَلَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ إنَّمَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ مَا لاَ صَلاَحَ لَهَا إلَّا بِهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَسُكْنَى وَكِسْوَةٍ وَأَنْ يَأْوِيَ إلَيْهَا فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَمَوْضِعُ تَلَذُّذٍ وَلاَ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَيْهِ قَالَ وَلَوْ أَعْطَاهَا مَالاً عَلَى أَنْ تُحَلِّلَهُ مِنْ يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا فَقَبِلَتْهُ فَالْعَطِيَّةُ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ لَهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ لَهَا فَيُوَفِّيَهَا مَا تَرَكَ مِنْ الْقَسْمِ لَهَا لِأَنَّ مَا أَعْطَاهَا عَلَيْهِ لاَ عَيْنَ مَمْلُوكَةً وَلاَ مَنْفَعَةً قَالَ وَلَوْ حَلَّلَتْهُ فَوَهَبَ لَهَا شَيْئًا عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ كَانَتْ الْهِبَةُ لَهَا جَائِزَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إذَا قَبَضَتْهَا وَإِنْ رَجَعَتْ هِيَ فِي تَحْلِيلِهِ فِيمَا مَضَى لَمْ يَكُنْ لَهَا وَإِنْ رَجَعَتْ فِي تَحْلِيلِهِ فِيمَا لَمْ يَمْضِ كَانَ لَهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ مَا لَمْ يَمْضِ فَيَجُوزُ تَحْلِيلُهَا لَهُ فِيمَا مَلَكَتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ قَوْلاً مَعْنَاهُ مَا أَصِفُ {لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْقُلُوبِ {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} لاَ تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ فَيَصِيرُ الْمَيْلُ الَّذِي لَيْسَ لَكُمْ فَتَذَرُوهَا وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا عِنْدِي بِمَا قَالُوا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ عَمَّا فِي الْقُلُوبِ وَكَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْأَفْعَالَ وَالْأَقَاوِيلَ فَإِذَا مَالَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَذَلِكَ كُلُّ الْمَيْلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وَقَالَ فِي النِّسَاءِ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَالَ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَسْمَ بَيْنَ النِّسَاءِ فِيمَا وَصَفْت مِنْ قَسْمِهِ لِأَزْوَاجِهِ فِي الْحَضَرِ وَإِحْلاَلِ سَوْدَةَ لَهُ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَقْسِمَ لِنِسَائِهِ فَيَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ وَقَدْ بَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِمَا لاَ أَمْلِكُ» يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَلْبَهُ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولاً فِي مَرَضِهِ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى مَلِلْنَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ عِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ لِأَنَّهُ سَكَنٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} وَقَالَ: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ أَزْوَاجٌ حَرَائِرُ مُسْلِمَاتٌ أَوْ كِتَابِيَّاتٌ، أَوْ مُسْلِمَاتٌ وَكِتَابِيَّاتٌ. فَهُنَّ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَيْلَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِيهِنَّ أَمَةٌ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةً قَالَ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الَّتِي لَمْ يَقْسِمْ لَهَا لِأَنَّ اللَّيْلَ هُوَ الْقَسْمُ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ فِي النَّهَارِ لِلْحَاجَةِ لاَ لِيَأْوِيَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْوِيَ إلَى مَنْزِلِهِ أَوَى إلَى مَنْزِلِ الَّتِي يَقْسِمُ لَهَا وَلاَ يُجَامِعُ امْرَأَةً فِي غَيْرِ يَوْمِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. قَالَ وَإِنْ مَرِضَتْ إحْدَى نِسَائِهِ عَادَهَا فِي النَّهَارِ وَلَمْ يُعِدْهَا فِي اللَّيْلِ وَإِنْ مَاتَتْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى يُوَارِيَهَا ثُمَّ يَرْجِعَ إلَى الَّتِي لَهَا الْقَسْمُ وَإِنْ ثَقُلَتْ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تَخِفَّ أَوْ تَمُوتَ ثُمَّ يُوَفِّيَ مَنْ بَقِيَ مِنْ نِسَائِهِ مِثْلَ مَا أَقَامَ عِنْدَهَا. قَالَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْسِمَ لَيْلَتَيْنِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلاَثًا ثَلاَثًا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَأَكْرَهُ مُجَاوَزَةَ الثَّلاَثِ مِنْ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَعْدِلَ لِلثَّانِيَةِ وَيَمْرَضَ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ يَكُونُ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِ. قَالَ وَإِذَا قَسَمَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ قَدِمَ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ لِلَّتِي تَلِيهَا فِي الْقَسْمِ، وَهَكَذَا إنْ كَانَ حَاضِرًا فَشُغِلَ عَنْ الْمَبِيتِ عِنْدَهَا ابْتَدَأَ الْقَسْمَ كَمَا يَبْتَدِئُهُ الْقَادِمُ مِنْ الْغَيْبَةِ فَيَبْدَأُ بِالْقَسْمِ لِلَّتِي كَانَتْ لَيْلَتُهَا. قَالَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا بَعْضُ اللَّيْلِ ثُمَّ غَابَ ثُمَّ قَدِمَ ابْتَدَأَ فَأَوْفَاهَا قَدْرَ مَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ كَانَ عِنْدَ الَّتِي تَلِيهَا فِي آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ. قَالَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا مَرِيضًا أَوْ مُتَدَاوِيًا أَوْ هِيَ مَرِيضَةً أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَذَلِكَ قَسْمٌ يَحْسِبُهُ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِنْدَهَا صَحِيحًا فَتَرَكَ جِمَاعَهَا حَسِبَ ذَلِكَ مِنْ الْقَسْمِ عَلَيْهَا إنَّمَا الْقَسْمُ عَلَى الْمَبِيتِ كَيْفَ كَانَ الْمَبِيتُ. قَالَ وَلَوْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ يَصِلْنَ إلَيْهِ فِيهِ عَدَلَ بَيْنَهُنَّ كَمَا يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ لَوْ كَانَ خَارِجًا. قَالَ وَالْمَرِيضُ وَالصَّحِيحُ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مَنْزِلاً لِنَفْسِهِ ثُمَّ يَبْعَثَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا فَتَأْتِيَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَعَلَيْهِنَّ فَأَيَّتُهُنَّ امْتَنَعَتْ مِنْ إتْيَانِهِ كَانَتْ تَارِكَةً لِحَقِّهَا عَاصِيَةً وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَسْمُ لَهَا مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً قَالَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ فِي مَنْزِلٍ يَسْكُنُهُ فَغَلَّقَتْهُ دُونَهُ وَامْتَنَعَتْ مِنْهُ إذَا جَاءَهَا أَوْ هَرَبَتْ أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ طَلاَقًا كَاذِبَةً حَلَّ لَهُ تَرْكُهَا وَالْقَسْمُ لِغَيْرِهَا وَتَرْكُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَعُودَ إلَى أَنْ لاَ تَمْتَنِعَ مِنْهُ وَهَذِهِ نَاشِزٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} فَإِذَا أَذِنَ فِي هِجْرَتِهَا فِي الْمَضْجَعِ لِخَوْفِ نُشُوزِهَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ أَنْ يَأْتِيَ غَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَفِيمَا كَانَ مِثْلَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَهَكَذَا الْأَمَةُ إذَا امْتَنَعَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا مِنْهُ فَلاَ نَفَقَةَ وَلاَ قَسْمَ لَهَا حَتَّى تَعُودَ إلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا سَافَرَ بِهَا أَهْلُهَا بِإِذْنِهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فَلاَ نَفَقَةَ وَلاَ قَسْمَ. قَالَ وَإِذَا سَافَرَتْ الْحُرَّةُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلاَ قَسْمَ لَهَا وَلاَ نَفَقَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَشْخَصَهَا فَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ نَفَقَتُهَا وَلاَ قَسْمُهَا وَهِيَ إذَا أَشْخَصَهَا مُخَالِفَةً لَهَا إذَا شَخَصَ هُوَ وَهِيَ مُقِيمَةٌ لِأَنَّ إشْخَاصَهُ إيَّاهَا كَنَقْلِهَا إلَى مَنْزِلٍ فَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهَا فِيهِ بِلاَ نَفَقَةٍ وَلاَ قَسْمٍ وَشُخُوصُهُ هُوَ شُخُوصٌ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْقَسْمُ لاَ لَهُ. قَالَ وَإِذَا جُنَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ أَوْ خَبِلَتْ فَغُلِبَتْ عَلَى عَقْلِهَا فَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ سَقَطَ حَقُّهَا فِي الْقَسْمِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْتَنِعُ فَلَهَا حَقُّهَا فِي الْقَسْمِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَرِسَتْ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ ارْتَتَقَتْ كَانَ لَهَا حَقُّهَا فِي الْقَسْمِ مَا لَمْ تَمْتَنِعْ مِنْهُ أَوْ يُطَلِّقُهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا يَقْسِمُ لِلرَّتْقَاءِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا يَقْسِمُ لِلْحَائِضِ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ جِمَاعُهَا لِأَنَّ الْقَسْمَ عَلَى السَّكَنِ لاَ عَلَى الْجِمَاعِ أَلاَ تَرَى أَنَّا لاَ نُجْبِرُهُ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْجِمَاعِ وَقَدْ يَسْتَمْتِعُ مِنْهَا وَتَسْتَمْتِعُ مِنْهُ بِغَيْرِ جِمَاعٍ. قَالَ وَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ مَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى النِّسَاءِ بِحَالٍ أَوْ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِنَّ إلَّا بِضَعْفٍ أَوْ إعْيَاءٍ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ الْقَوِيُّ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْقَسْمَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ السَّكَنِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى النِّسَاءِ وَمَا يَلْزَمُ لَهُنَّ. قَالَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمَخْبُولُ أَوْ الصَّحِيحُ فَغُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ انْبَغَى لِوَلِيِّهِ الْقَائِمِ بِأَمْرِهِ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَأْتِيَهُ بِهِنَّ حَتَّى يَكُنَّ عِنْدَهُ وَيَكُونَ عِنْدَهُنَّ كَمَا يَكُونَ الصَّحِيحُ الْعَقْلُ عِنْدَ نِسَائِهِ وَيَكُنَّ عِنْدَهُ وَإِنْ أَغْفَلَ ذَلِكَ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَإِنْ عَمَدَ أَنْ يَجُوزَ بِهِ أَثِمَ هُوَ وَلاَ مَأْثَمَ عَلَى مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ. قَالَ وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ يُجَنُّ وَيُفِيقُ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ فَعُزِلَ فِي يَوْمِ جُنُونِهِ عَنْ نِسَائِهِ جَعَلَ يَوْمَ جُنُونِهِ كَيَوْمٍ مِنْ غَيْبَتِهِ وَاسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَكَانَ فِي يَوْمِ جُنُونِهِ عِنْدَ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حُسِبَ كَمَا إذَا كَانَ مَرِيضًا فَقَسَمَ لَهَا وَقَسَمَ لِلْأُخْرَى يَوْمَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ وَلَوْ قَسَمَ لَهَا صَحِيحًا فَجُنَّ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ وَكَانَ عِنْدَهَا كَانَتْ قَدْ اسْتَوْفَتْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا أَوْفَى لَهَا مَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ وَإِنْ جُنَّتْ هِيَ أَوْ خَرَجَتْ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِهَا وَلاَ يُوَفِّيَهَا شَيْئًا مِنْ قَسْمِهَا مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً مِنْهُ وَيَقْسِمَ لِنِسَائِهِ الْبَوَاقِي قَسْمَ النِّسَاءِ لاَ امْرَأَةً مَعَهُنَّ غَيْرَهُنَّ. قَالَ وَلَوْ اسْتَكْرَهَهُ سُلْطَانٌ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ خَرَجَ طَائِعًا مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ فِي اللَّيْلِ عَادَ فَأَوْفَاهَا مَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَاهِبًا إلَى غَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ وَلاَ أَكْرَهُ فِي النَّهَارِ شَيْئًا إلَّا أَثَرَةُ غَيْرِهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ فِيهِ بِمُقَامٍ أَوْ جِمَاعٍ، فَإِذَا أَقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا فِي نَهَارِهَا أَوْفَاهَا ذَلِكَ مِنْ يَوْمِ الَّتِي أَقَامَ عِنْدَهَا. قَالَ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَعَ نِسَائِهِ إمَاءٌ يَطَؤُهُنَّ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَاءِ قَسْمٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ وَيَأْتِيهِنَّ كَيْفَ شَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْتِي النِّسَاءَ فِي الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِيِ وَالْجِمَاعِ وَأَقَلَّ كَمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ وَيَغِيبَ فِي الْمِصْرِ عَنْ النِّسَاءِ فَإِذَا صَارَ إلَى النِّسَاءِ عَدَلَ بَيْنَهُنَّ وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ تَرْكُ الْجَوَارِي وَالْمُقَامُ مَعَ النِّسَاءِ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَنْ لاَ يُؤْثِرَ عَلَى النِّسَاءِ وَأَنْ لاَ يُعَطِّلَ الْجَوَارِيَ. قَالَ وَهَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ جَوَارٍ لاَ امْرَأَةَ مَعَهُنَّ كَانَ عِنْدَ أَيَّتِهِنَّ شَاءَ مَا شَاءَ وَكَيْفَمَا شَاءَ وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى اسْتِطَابَةَ أَنْفُسِهِنَّ بِمُقَارَنَةٍ وَأَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ حَظًّا مِنْهُ. قَالَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَالْقَسْمُ لَهَا مِنْ يَوْمِ يُخَلُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. قَالَ وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَسَمَ لِثَلاَثٍ وَتَرَكَ وَاحِدَةً عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا قَضَاهَا الْأَيَّامَ الَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا فِيهَا مُتَتَابِعَاتٍ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُنَّ وَاسْتَحَلَّهَا إنْ كَانَ تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَلَهَا مِنْهَا عَشْرٌ فَيَقْضِيهَا الْعَشْرَ مُتَتَابِعَاتٍ وَلَوْ كَانَ نِسَاؤُهُ الْحَوَاضِرُ ثَلاَثًا فَتَرَكَ الْقَسْمَ لَهُنَّ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَقَدِمَتْ امْرَأَةٌ لَهُ كَانَتْ غَائِبَةً بَدَأَ فَقَسَمَ لِلَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا يَوْمَهَا وَيَوْمَ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَسَمَ لَهُمَا وَتَرَكَهَا وَذَلِكَ ثَلاَثٌ ثُمَّ قَسَمَ لِلْغَائِبَةِ يَوْمًا ثُمَّ قَسَمَ لِلَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا ثَلاَثًا حَتَّى يُوَفِّيَهَا جَمِيعَ مَا تَرَكَ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ، وَلَوْ قَسَمَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسَائِهِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثُمَّ طَلَّقَ امْرَأَةً لَمْ يَقْسِمْ لَهَا أَوْ تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ الَّتِي تَرَكَ الْقَسْمَ لَهَا وَلَوْ رَاجَعَهَا أَوْ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا أَوْفَاهَا مَا كَانَ لَهَا مِنْ الْقَسْمِ. قَالَ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ مَمْلُوكَةٌ وَحُرَّةٌ فَقَسَمَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ دَارَ إلَى الْمَمْلُوكَةِ فَعَتَقَتْ فَإِنْ كَانَتْ عَتَقَتْ وَقَدْ أَوْفَاهَا يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا دَارَ إلَى الْحُرَّةِ فَقَسَمَ لَهَا يَوْمًا وَلِلْأَمَةِ الَّتِي أَعْتَقَتْ يَوْمًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْفَاهَا لَيْلَتَهَا حَتَّى عَتَقَتْ يَبِيتُ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْنِ حَتَّى يُسَوِّيَهَا بِالْحُرَّةِ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ كَهِيَ قَبْلَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ حَظَّهَا مِنْ الْقَسْمِ. قَالَ وَيَقْسِمُ لِلْمَرْأَةِ قَدْ آلَى مِنْهَا وَلِلْمَرْأَةِ قَدْ تَظَاهَرَ مِنْهَا وَلاَ يَقْرَبُ الَّتِي تَظَاهَرَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إذَا أَحْرَمَتْ بِأَمْرِهِ قَسَمَ لَهَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا وَكَذَلِكَ الْقَسْمُ لَوْ كَانَ هُوَ مُحْرِمًا وَلاَ يَقْرَبُ وَاحِدَةً مِمَّنْ مَعَهُ فِي إحْرَامِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ وَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ قَالَ لَهَا لَيْسَ بِك عَلَى أَهْلِك هَوَانٌ إنْ شِئْت سَبَّعْت عِنْدِك وَسَبَّعْت عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْت ثَلَّثْت عِنْدِك وَدُرْت». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يُحَدِّثُ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا لَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ أَخْبَرَتْهُمْ أَنَّهَا ابْنَةُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَكَذَّبُوهَا وَقَالُوا مَا أَكْذَبَ الْغَرَائِبَ حَتَّى أَنْشَأَ أُنَاسٌ مِنْهُمْ الْحَجَّ فَقَالُوا أَتَكْتُبِينَ إلَى أَهْلِك؟ فَكَتَبَتْ مَعَهُمْ فَرَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ فَصَدَّقُونِي وَازْدَدْت عَلَيْهِمْ كَرَامَةً فَلَمَّا حَلَلْت جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَنِي فَقُلْت لَهُ مَا مِثْلِي نُكِحَ أَمَّا أَنَا فَلاَ وَلَدَ فِي وَأَنَا غَيُورٌ ذَاتُ عِيَالٍ، فَقَالَ: أَنَا أَكْبَرُ مِنْك وَأَمَّا الْغَيْرَةُ فَيُذْهِبُهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْعِيَالُ فَإِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَأْتِيَهَا وَيَقُولُ أَيْنَ زناب؟ حَتَّى جَاءَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَاخْتَلَجَهَا فَقَالَ هَذِهِ تَمْنَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ تُرْضِعُهَا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ زناب؟ فَقَالَتْ قَرِيبَةُ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ وَوَاقَفَهَا عِنْدَمَا أَخَذَهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي آتِيكُمْ اللَّيْلَةَ قَالَتْ فَقُمْت فَوَضَعْت ثِقَالِي وَأَخْرَجْت حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ كَانَتْ فِي جَرَّةٍ وَأَخْرَجْت شَحْمًا فَعَصَدْته لَهُ أَوْ صَعْدَتُهُ شَكَّ الرَّبِيعُ قَالَتْ فَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْبَحَ فَقَالَ حِينَ أَصْبَحَ إنَّ لَك عَلَى أَهْلِك كَرَامَةً فَإِنْ شِئْت سَبَّعْت لَك وَإِنْ أُسَبِّعْ أُسَبِّعْ لِنِسَائِي». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثَلاَثٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَحَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا وَلاَ يُحْسَبَ عَلَيْهِ لِنِسَائِهِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَهُ قَبْلَهَا فَيَبْدَأُ مِنْ السَّبْعِ وَمِنْ الثَّلاَثِ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبِكْرِ وَلاَ الثَّيِّبِ إلَّا إيفَاؤُهُمَا هَذَا الْعَدَدَ إلَّا أَنْ يُحَلِّلاَهُ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَقَسَمَ لِنِسَائِهِ عَادَ فَأَوْفَاهُمَا هَذَا الْعَدَدَ كَمَا يَعُودُ فِيمَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِمَا فِي الْقَسْمِ فَيُوَفِّيهِمَا. قَالَ وَلَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ بِكْرَانِ فِي لَيْلَةٍ أَوْ ثَيِّبَانِ أَوْ بِكْرٌ وَثَيِّبٌ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ دَخَلَتَا مَعًا عَلَيْهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا فَأَيَّتُهُمَا خَرَجَ سَهْمُهَا بَدَأَ فَأَوْفَاهَا أَيَّامَهَا وَلَيَالِيَهَا، وَإِنْ لَمْ يُقْرِعْ فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُ لِأَنَّهُ لاَ يَصِلُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُمَا حَقَّهُمَا إلَّا بِأَنْ يَبْدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَلاَ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُوَالاَةُ أَيَّامِهَا قَالَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ إعَادَةَ أَيَّامٍ لَهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ الَّتِي أَوْفَاهَا إيَّاهَا وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى بَدَأَ فَأَوْفَى الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَوَّلاً أَيَّامَهَا قَالَ وَإِذَا بَدَأَ بِاَلَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ آخِرًا أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَيُوَفِّيَ الْأُولَى قَبْلَهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ثُمَّ أَوْفَى الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهَا زِيَادَةٌ عَلَى أَيَّامِهَا وَلاَ يُزَادُ أَحَدٌ فِي الْعَدَدِ بِتَأْخِيرِ حَقِّهَا قَالَ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ أَيَّامِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَعَدَلَ بَيْنَهُنَّ. قَالَ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَتَانِ ثُمَّ نَكَحَ عَلَيْهِمَا وَاحِدَةً فَدَخَلَتْ بَعْدَ مَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ فَإِذَا أَوْفَى الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَيَّامَهَا بَدَأَ بِاَلَّتِي كَانَ لَهَا الْقَسْمُ بَعْدَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ قَالَ وَلاَ يُضَيَّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا فِي أَيِّ يَوْمٍ أَوْ أَيِّ لَيْلَةٍ شَاءَ مِنْ لَيَالِي نِسَائِهِ قَالَ وَلاَ أُحِبُّ فِي مُقَامِهِ عِنْدَ بِكْرٍ وَلاَ ثَيِّبٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ صَلاَةٍ وَلاَ بِرٍّ كَانَ يَعْمَلُ قَبْلَ الْعُرْسِ وَلاَ شُهُودِ جِنَازَةٍ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ إجَابَةِ دَعْوَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنِي عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ نِسْوَةٌ فَأَرَادَ سَفَرًا فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَخْرُجَ بِهِنَّ وَلاَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِهِنَّ أَوْ بِبَعْضِهِنَّ فَذَلِكَ لَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ اثْنَتَيْنِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِهَا وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا إنْ شَاءَ، وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ بِاثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ لَمْ يَخْرُجْ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا بِقُرْعَةٍ فَإِنْ خَرَجَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لِمَنْ بَقِيَ بِقَدْرِ مَغِيبِهِ مَعَ الَّتِي خَرَجَ بِهَا قَالَ فَإِذَا خَرَجَ بِامْرَأَةٍ بِالْقُرْعَةِ كَانَ لَهَا السَّفَرُ خَالِصًا دُونَ نِسَائِهِ لاَ يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا وَلاَ لَهُنَّ مِنْ مَغِيبِهَا مَعَهُ فِي السَّفَرِ مُنْفَرِدَةً شَيْءٌ وَسَوَاءٌ قَصُرَ سَفَرُهُ أَوْ طَالَ قَالَ وَلَوْ أَرَادَ السَّفَرَ لِنَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا أَوْفَى الْبَوَاقِيَ مِثْلَ مُقَامِهِ مَعَهَا قَالَ وَلَوْ خَرَجَ مُسَافِرًا بِقُرْعَةٍ ثُمَّ أَزْمَعَ الْمُقَامَ لِنَقْلِهِ كَانَ لِلَّتِي سَافَرَ بِهَا بِالْقُرْعَةِ مَا مَضَى قَبْلَ إزْمَاعِهِ الْمُقَامَ عَلَى النَّقْلَةِ وَحُسِبَ عَلَيْهَا مُقَامُهُ مَعَهَا بَعْدَ النَّقْلَةِ فَأَوْفَى الْبَوَاقِيَ حُقُوقَهُنَّ فِيهَا. قَالَ وَلَوْ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ عَلَى سَفَرٍ فَخَرَجَ سَهْمُ وَاحِدَةٍ فَخَرَجَ بِهَا ثُمَّ أَرَادَ سَفَرًا قَبْلَ رُجُوعِهِ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ كَالسَّفَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَرْجِعْ فَإِذَا رَجَعَ فَأَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ. قَالَ وَلَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ فَنَكَحَ فِي سَفَرِهِ أُخْرَى كَانَ لِلَّتِي نَكَحَ مَا لِلْمَنْكُوحَةِ مِنْ الْأَيَّامِ دُونَ الَّتِي سَافَرَ بِهَا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسْمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَدِ وَلاَ يَحْسِبُ لِنِسَائِهِ اللَّاتِي خَلَفَ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي نَكَحَ فِي سَفَرِهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيْثُ يُمْكِنُهُ الْقَسْمُ لَهُنَّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} إلَى قَوْلِهِ: {سَبِيلاً}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُباب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ تَضْرِبُوا إمَاءَ اللَّهِ قَالَ فَأَتَاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ فِي ضَرْبِهِنَّ فَأَطَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أَطَافَ اللَّيْلَةَ بِآلِ مُحَمَّدٍ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ وَلاَ تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ. ثُمَّ إذْنِهِ فِي ضَرْبِهِنَّ وَقَوْلِهِ «لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ عَلَى اخْتِيَارِ النَّهْيِ وَأَذِنَ فِيهِ بِأَنَّ مُبَاحًا لَهُمْ الضَّرْبُ فِي الْحَقِّ وَاخْتَارَ لَهُمْ أَنْ لاَ يُضْرَبُوا لِقَوْلِهِ «لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ بَعْدَ نُزُولِهَا بِضَرْبِهِنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ «لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَهُنَّ مُبَاحٌ لاَ فَرْضٌ أَنْ يُضْرَبْنَ وَنَخْتَارُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا اخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِي انْبِسَاطِ لِسَانِهَا عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَشْبَهَ مَا سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ: {وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أَنَّ لِخَوْفِ النُّشُوزِ دَلاَئِلَ فَإِذَا كَانَتْ {فَعِظُوهُنَّ} لِأَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ فَإِنْ لَجَجْنَ فَأَظْهَرْنَ نُشُوزًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} فَإِنْ أَقَمْنَ بِذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ وَذَلِكَ بَيِّنٌ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ هِجْرَةٌ فِي الْمَضْجَعِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلاَ ضَرْبٌ إلَّا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ هُمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ فِي {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} إذَا نَشَزْنَ فَبَانَ النُّشُوزُ فَكُنَّ عَاصِيَاتٍ بِهِ أَنْ تَجْمَعُوا عَلَيْهِنَّ الْعِظَةَ وَالْهِجْرَةَ وَالضَّرْبَ قَالَ وَلاَ يَبْلُغُ فِي الضَّرْبِ حَدًّا وَلاَ يَكُونُ مُبَرِّحًا وَلاَ مُدْمِيًا وَيَتَوَقَّى فِيهِ الْوَجْهَ قَالَ وَيَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ النُّشُوزِ وَلاَ يُجَاوِزُ بِهَا فِي هِجْرَةِ الْكَلاَمِ ثَلاَثًا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَبَاحَ الْهِجْرَةَ فِي الْمَضْجَعِ. وَالْهِجْرَةُ فِي الْمَضْجَعِ تَكُونُ بِغَيْرِ هِجْرَةِ كَلاَمٍ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَاوِزَ بِالْهِجْرَةِ فِي الْكَلاَمِ ثَلاَثًا». قَالَ وَلاَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضْرِبَ وَلاَ يَهْجُرَ مَضْجَعًا بِغَيْرِ بَيَانِ نُشُوزِهَا قَالَ وَأَصْلُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنْ لاَ قَسْمَ لِلْمُمْتَنِعَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَلاَ نَفَقَةَ مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ هِجْرَةَ مَضْجَعِهَا وَضَرْبَهَا فِي النُّشُوزِ وَالِامْتِنَاعُ نُشُوزٌ قَالَ وَمَتَى تَرَكَتْ النُّشُوزَ لَمْ تَحِلَّ هِجْرَتُهَا وَلاَ ضَرْبُهَا وَصَارَتْ عَلَى حَقِّهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ النُّشُوزِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وَقَوْلِهِ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مِنْ مُؤْنَتِهَا وَلَهُ عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ الْحُكْمَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ فَأَمَّا ظَاهِرُ الآيَةِ فَإِنَّ خَوْفَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَنْعَ الْحَقِّ وَلاَ يَطِيبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِإِعْطَاءِ مَا يَرْضَى بِهِ وَلاَ يَنْقَطِعُ مَا بَيْنَهُمَا بِفُرْقَةٍ وَلاَ صُلْحٍ وَلاَ تَرْكِ الْقِيَامِ بِالشِّقَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ وَلِنُشُوزِ الرَّجُلِ بِالصُّلْحِ فَإِذَا خَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَنَهَى إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالْعَقْلِ لِيَكْشِفَا أَمْرَهُمَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ قَدَرَا قَالَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِفُرْقَانٍ إنْ رَأَيَا إلَّا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَلاَ يُعْطِيَا مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا قَالَ فَإِنْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ وَإِلَّا كَانَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَقٍّ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَأَدَبٍ قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُمَا {إنْ يُرِيدَا إصْلاَحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْرِيقًا. قَالَ وَأَخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِالْحَكَمَيْنِ وَيُوَكِّلاَهُمَا مَعًا فَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجُ إنْ رَأَيَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا فَرْقًا عَلَى مَا رَأَيَا مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ أَوْ غَيْرِ أَخْذِهِ إنْ اُخْتُبِرَا تَوَلَّيَا مِنْ الْمَرْأَةِ عَنْهُ قَالَ وَإِنْ جَعَلَ إلَيْهِمَا إنْ رَضِيَتْ بِكَذَا وَكَذَا فَأَعْطِيَاهَا ذَلِكَ عَنِّي وَاسْأَلاَهَا أَنْ تَكُفَّ عَنِّي كَذَا وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَهُمَا إنْ شَاءَتْ بِأَنْ يُعْطِيَا عَنْهَا فِي الْفُرْقَةِ شَيْئًا تُسَمِّيهِ إنْ رَأَيَا أَنَّهُ لاَ يُصْلِحُ الزَّوْجَ غَيْرُهُ وَإِنْ رَأَيَا أَنْ يُعْطِيَاهُ أَنْ يَفْعَلاَ أَوْ لَهُ كَذَا وَيَتْرُكُ لَهَا كَذَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجَانِ أَمَرَ الْحَكَمَيْنِ بِأَنْ يَجْتَهِدَا فَإِنْ رَأَيَا الْجَمْعَ خَيْرًا لَمْ يَصِيرَا إلَى الْفِرَاقِ وَإِنْ رَأَيَا الْفِرَاقَ خَيْرًا أَمَرَهُمَا فَصَارَا إلَيْهِ وَإِنْ رَجَعَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا يُوَكِّلاَنِهِمَا عَنْ الْوَكَالَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَمَرَهُمَا بِمَا أَمَرَهُمَا بِهِ أَوَّلاً مِنْ الْإِصْلاَحِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا وَكِيلَيْهِمَا إلَّا فِيمَا وُكِّلاَ فِيهِ قَالَ وَلاَ يُجْبَرُ الزَّوْجَانِ عَلَى تَوْكِيلِهِمَا إنْ لَمْ يُوَكِّلاَ وَإِذَا وَكَّلاَهُمَا مَعًا كَمَا وَصَفْت لَمْ يَجُزْ أَمْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ فَإِنْ فَرَّقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُفَرِّقْ الْآخَرُ لَمْ تَجُزْ الْفُرْقَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ شَيْئًا قَالَ وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ أَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بَعَثَ حَكَمًا غَيْرَ الْغَائِبِ أَوْ الْمَغْلُوبِ الْمُصْلِحِ مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ وَبِالْوَكَالَةِ إنْ وَكَّلَهُ بِهَا الزَّوْجَانِ قَالَ وَإِنْ غُلِبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُمْضِ الْحَكَمَانِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ عَقْلُهُ ثُمَّ يُجَدِّدَ وَكَالَةً قَالَ وَإِنْ غَابَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْوَكَالَةَ أَمْضَى الْحَكَمَانِ رَأْيَهُمَا وَلَمْ تَقْطَعْ غَيْبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَكَالَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النَّاسِ فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا، عَلَيْكُمَا إنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تُفَرِّقَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِيَ، وَقَالَ الرَّجُلُ أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلاَ. فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه كَذَبْت وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعَهُ يَقُولُ: تَزَوَّجَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ فَقَالَتْ لَهُ اصْبِرْ لِي وَأُنْفِقُ عَلَيْك فَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَالَتْ أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؟ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؟ فَيَسْكُتُ عَنْهَا حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا وَهُوَ بَرِمٌ فَقَالَتْ أَيْنَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْنَ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؟ فَقَالَ عَلَى يَسَارِك فِي النَّارِ إذَا دَخَلْتِ فَشَدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَجَاءَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَُفَرِّقَن بَيْنَهُمَا وَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَا كُنْت لِأُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ فَأَتَيَاهُمَا فَوَجَدَاهُمَا قَدْ شَدَّا عَلَيْهِمَا أَثْوَابَهُمَا وَأَصْلَحَا أَمْرَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ عَلِيٍّ ثَابِتٌ عِنْدَنَا وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا قُلْنَا لاَ نُخَالِفُهُ لِأَنَّ عَلِيًّا إذْ قَالَ لَهُمْ ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَالزَّوْجَانِ حَاضِرَانِ فَإِنَّمَا خَاطَبَ بِهِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ مَنْ أَعْرَبَ عَنْهُمَا بِحَضْرَتِهِمَا بِوَكَالَةِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ رِضَاهُمَا بِمَا قَالَ وَقَوْلُهُ لِلرَّجُلِ لاَ وَاَللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ أَنْ لاَ يَقْضِيَ الْحَكَمَانِ إنْ رَأَيَا الْفُرْقَةَ إذَا رَجَعَتْ عَنْ تَوْكِيلِهِمَا حَتَّى تَعُودَ إلَى الرِّضَا بِأَنْ يَكُونَا بِوَكَالَتِك نَاظِرَيْنِ بِمَا يُصْلِحُ أَمْرَكُمَا وَلَوْ كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمَيْنِ بِفُرْقَةٍ بِلاَ وَكَالَةِ الزَّوْجِ مَا احْتَاجَ عَلِيٌّ رضي الله عنه إلَى أَنْ يَقُولَ لَهُمَا ابْعَثُوا وَلَبَعَثَ هُوَ وَلَقَالَ لِلزَّوْجِ إنْ رَأَيَا الْفِرَاقَ أَمْضِيَا ذَلِكَ عَلَيْك وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ بِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ لاَ يَمْضِي الْحَكَمَانِ حَتَّى يُقِرَّ وَلَوْ كَانَ لِلْحَاكِمِ جَبْرُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى أَنْ يُوَكِّلاَ كَانَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَهُ بِلاَ أَمْرِهِمَا قَالَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ دَلاَلَةٌ كَالدَّلاَئِلِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَقَدْ يَحْتَمِلُ خِلاَفَهُ قِيلَ نَعَمْ: وَمُوَافَقَتُهُ فَلَسْت بِأَوْلَى بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِك بَلْ هُوَ إلَى مُوَافَقَةِ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ خِلاَفَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَكَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ إبَاحَةُ أَكْلِهِ إذَا طَابَتْ نَفْسُهَا وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إذَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ قَالَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} إلَى مُبِينًا قَالَ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي مَعْنَى الآيَةِ الَّتِي كَتَبْنَا قَبْلَهَا، وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِبْدَالَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ تُرِدْ هِيَ فُرْقَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا بِأَنْ يَسْتَكْرِهَهَا عَلَيْهِ وَلاَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتُعْطِيَهُ فِدْيَةً مِنْهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ رَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ مَا سَمَّى مِنْ عَدَدِ الطَّلاَقِ وَكَانَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ إنْ لَمْ يَأْتِ عَلَى جَمِيعِ طَلاَقِهَا قَالَ وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ إذَا أَزْمَعَ عَلَى فِرَاقِهَا أَنْ يأتهب مِنْ مَالِهَا شَيْئًا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَهَا يَكُونُ عَلَى اسْتِطَابَةِ نَفْسِهِ بِحَبْسِهَا لاَ عَلَى فِرَاقِهَا وَيُشْبِهُ مَعَانِيَ الْخَدِيعَةِ لَهَا قَالَ وَلاَ يَبِينُ لِي رَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا لَوْ وَهَبَتْهُ بِلاَ ضَرُورَةٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا قَالَ وَلَوْ عَلِمَتْهُ يُرِيدُ الِاسْتِبْدَالَ بِهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا حَقَّهَا فَنَشَزَتْ وَمَنَعَتْهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَأَعْطَتْهُ مَالاً جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَصَارَتْ فِي مَعْنَى مَنْ يَخَافُ أَنْ لاَ يُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ وَخَرَجَتْ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُرَادَ فِرَاقُهَا فَيُفَارِقُ بِلاَ سَبَبٍ مِنْهَا وَلاَ مَنْعٍ لِحَقٍّ فِي حَالٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِإِرَادَتِهِ وَلاَ مُتَأَخِّرَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَزَلَتْ فِي الرَّجُلِ يَمْنَعُ الْمَرْأَةَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي عِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ عَنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسِهَا وَيَحْبِسُهَا لِتَمُوتَ فَيَرِثُهَا أَوْ يَذْهَبُ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا اسْتَثْنَى إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. وَقِيلَ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَحْبِسَهَا كَارِهًا لَهَا إذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قَرَأَ إلَى {كَثِيرًا} قَالَ وَقِيلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ حَبْسَهَا مَعَ مَنْعِهَا الْحَقَّ لِيَرِثَهَا أَوْ يَذْهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا قَالَ وَإِذَا مَنَعَهَا الْحَقَّ وَحَبَسَهَا وَذَهَبَ بِبَعْضِ مَا آتَاهَا فَطَلَبَتْهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ فَإِنْ أَتَتْ عِنْدَهُ بِفَاحِشَةٍ وَهِيَ الزِّنَا فَحَبَسَهَا عَلَى مَنْعِ الْحَقِّ فِي الْقَسْمِ لاَ أَنْ ضَرَبَهَا وَلاَ مَنَعَهَا نَفَقَةً فَأَعْطَتْهُ بَعْضَ مَا آتَاهَا حَلَّ لَهُ أَخْذُهُ وَكَانَتْ مَعْصِيَتُهَا اللَّهَ بِالزِّنَا ثُمَّ مَعْصِيَتُهُ أَكْبَرَ مِنْ مَعْصِيَتِهَا فِي غَيْرِ الزِّنَا وَهِيَ إذَا عَصَتْهُ فَلَمْ تُقِمْ حُدُودَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جُنَاحٌ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. قَالَ فَإِنْ حَبَسَهَا مَانِعًا لَهَا الْحَقَّ وَلَمْ تَأْتِ بِفَاحِشَةٍ لِيَرِثَهَا فَمَاتَتْ عِنْدَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَرِثَهَا وَلاَ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا فِي حَيَاتِهَا فَإِنْ أَخَذَهُ رَدَّ عَلَيْهَا وَكَانَ أَمْلَكَ بِرَجْعَتِهَا. وَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَفِي مَعْنَى {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} إلَى {سَبِيلاً} فَنُسِخَتْ بِآيَةِ الْحُدُودِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ الرَّجْمُ» فَلَمْ يَكُنْ عَلَى امْرَأَةٍ حَبْسٌ يَمْنَعُ بِهِ حَقَّ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَكَانَ عَلَيْهَا الْحَدُّ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا بِمَا قِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِأَنْ جَعَلَ لَهُ عَلَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَيَحْبِسَهَا مُحْسِنَةً وَمُسِيئَةً وَكَارِهًا لَهَا وَغَيْرَ كَارِهٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَنْعَهَا حَقَّهَا فِي حَالٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} إلَى {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتٌ لِزَوْجِهَا فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتٌ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ حَبِيبَةُ قَدْ ذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ فَقَالَتْ حَبِيبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ «عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَلَسِ وَهِيَ تَشْكُو شَيْئًا بِبَدَنِهَا وَهِيَ تَقُولُ لاَ أَنَا وَلاَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا ثَابِتُ خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا وَجَلَسَتْ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقِيلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الرَّجُلَ حَتَّى تَخَافَ أَنْ لاَ تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ بِأَدَاءِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَوْ أَكْثَرِهِ إلَيْهِ وَيَكُونَ الزَّوْجُ غَيْرَ مَانِعٍ لَهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ أَكْثَرَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَإِذَا لَمْ يُقِمْ أَحَدُهُمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَيْسَا مَعًا مُقِيمَيْنِ حُدُودَ اللَّهِ. وَقِيلَ: وَهَكَذَا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} إذَا حَلَّ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي كُلِّ حَالٍ لاَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا وَإِذَا حَلَّ لَهُ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَهَذَا كَلاَمٌ صَحِيحٌ جَائِزٌ إذَا اجْتَمَعَا مَعًا فِي أَنْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الْجُنَاحُ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى أَحَدِهِمَا جُنَاحٌ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ مِنْ هَذَا بِمَا قِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا قَالَ وَقِيلَ أَنْ تَمْتَنِعَ الْمَرْأَةُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَتَخَافَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ لاَ يُؤَدِّيَ الْحَقَّ إذَا مَنَعَتْهُ حَقًّا فَتَحِلَّ الْفِدْيَةُ قَالَ وَجِمَاعُ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَانِعَةُ لِبَعْضِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ الْمُفْتَدِيَةُ تَحَرُّجًا مِنْ أَنْ لاَ تُؤَدِّيَ حَقَّهُ أَوْ كَرَاهِيَةً لَهُ، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا حَلَّتْ الْفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ وَلَوْ خَرَجَ فِي بَعْضِ مَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْحَقِّ إلَى إيذَائِهَا بِالضَّرْبِ أَجَزْت ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لِثَابِتٍ بِأَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْ حَبِيبَةَ وَقَدْ نَالَهَا بِالضَّرْبِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَمْنَعْهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَكَرِهَتْ صُحْبَتَهُ حَتَّى خَافَتْ تَمْنَعَهُ كَرَاهِيَةَ صُحْبَتِهِ بَعْضَ الْحَقِّ فَأَعْطَتْهُ الْفِدْيَةَ طَائِعَةً حَلَّتْ لَهُ، وَإِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسًا عَلَى غَيْرِ فِرَاقٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا طَابَتْ لَهُ نَفْسًا وَيَأْخُذَ عِوَضًا بِالْفِرَاقِ قَالَ وَلاَ وَقْتَ فِي الْفِدْيَةِ كَانَتْ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَتَجُوزُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَدُونِهِ كَمَا يَجُوزُ إعْطَاءُ الْمَالِ وَالطَّلاَقِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَدُونِهِ.
|